
في خطوة جديدة لغسل سمعتها الملطخة بعدد لا يُحصى من انتهاكات حقوق الإنسان، قدمت السعودية رسميًا ملف استضافة معرض إكسبو 2030، محاولةً إخفاء واقعها القمعي عبر الدعاية البراقة والوعود الكاذبة، في حلقة جديدة في مسلسل غسيل السمعة، الذي تحاول من خلاله إخفاء جرائمها المستمرة ضد مواطنيها والمقيمين فيها.
لا يمكن لأي معرض أو حملة علاقات عامة أن تمسح حقيقة أن السعودية دولة قمعية تحكم بالحديد والنار، تملأ سجونها بمعتقلي الرأي، وتنهي حياة معارضيها بالإعدامات الجماعية بعد محاكمات صورية، بالإضافة إلى استغلالها الممنهج لمئات الآلاف من العمال المهاجرين، الذين يُجبرون على العمل في ظروف غير إنسانية، بلا حماية قانونية أو ضمانات لحقوقهم الأساسية.
السعودية تُعدّ من أكثر الدول تنفيذًا لأحكام الإعدام، حيث تنفذ إعدامات جماعية بعد محاكمات تفتقد لأدنى معايير العدالة. في مارس/آذار 2022، أعدمت السعودية 81 شخصًا في يوم واحد، في واحدة من أضخم عمليات الإعدام الجماعي في تاريخها، بينهم معتقلون سياسيون حُكم عليهم بناءً على اعترافات انتُزعت تحت التعذيب. ليس هذا استثناءً، بل سياسة ممنهجة تُستخدم لقمع الأصوات المعارضة وردع أي محاولة للتعبير عن الرأي.
في سجونها، يقبع المئات من الأكاديميين، الصحفيين، والنشطاء، مثل سلمان العودة، وليد أبو الخير، ومناهل العتيبي، بعضهم حُكم عليه بعقوبات قاسية تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد، فقط لأنهم تجرأوا على المطالبة بالإصلاحات أو نشر آرائهم.
استغلال بشع للعمال المهاجرين: عبودية حديثة تحت غطاء التنمية
في الوقت الذي تُنفق فيه السعودية مليارات الدولارات على مشاريع استعراضية مثل إكسبو 2030 ونيوم وكأس العالم 2034، تعتمد هذه المشاريع على استغلال مئات الآلاف من العمال المهاجرين، الذين يُجبرون على العمل في ظروف غير إنسانية، بأجور متدنية، وبدون أي حقوق قانونية. العمال في قطاعي البناء والخدمات يتعرضون لسحب جوازات سفرهم، العمل لساعات طويلة في درجات حرارة مميتة، وتعرضهم للطرد التعسفي دون أي تعويضات. النظام السعودي، الذي يدّعي الإصلاح والانفتاح، لا يزال يكرّس نظام الكفالة الاستعبادي الذي يضع مصير العمال بالكامل في أيدي أصحاب العمل، مما يعرضهم لانتهاكات جسيمة تصل إلى الاتجار بالبشر.
اللافت للنظر أن تقديم ملف استضافة اكسبو 2030 جاء بعد أيام قليلة من صدور تقرير صادم يكشف الجرائم الوحشية التي ارتكبتها قوات حرس الحدود السعودية ضد المهاجرين الإثيوبيين، الذين حاولوا دخول المملكة بحثًا عن حياة أفضل. التقرير، الذي وثّق شهادات مروعة، كشف أن القوات السعودية قتلت مئات المهاجرين، بينهم رجال ونساء وأطفال، باستخدام الأسلحة الثقيلة والقناصة، بل وأعدمت بعضهم ميدانيًا بعد احتجازهم. بعض الناجين تحدثوا عن تعذيب مروع، وترك المصابين ينزفون حتى الموت، فيما تم استهداف النساء بالاغتصاب والعنف الجنسي.
هذه الجرائم تكشف الوجه الحقيقي للنظام السعودي، الذي يدّعي الانفتاح بينما يمارس أبشع الانتهاكات ضد الفئات الأكثر ضعفًا، بلا أي مساءلة أو محاسبة دولية.
تواطؤ دولي مفضوح: المال السعودي يشتري الصمت العالمي
بدلًا من محاسبة السعودية على هذه الجرائم، يواصل المجتمع الدولي مكافأتها بمنحها منصات دولية تتيح لها تلميع صورتها، كما حدث عندما منحتها الفيفا استضافة كأس العالم 2034 بعد حملة رشاوي ضخمة وشراء للنفوذ السياسي. الآن، تسعى السعودية لاستخدام إكسبو 2030 بنفس الطريقة، عبر إغراء الدول الفقيرة بمئات الملايين من الدولارات لشراء دعمها، دون أي اعتبار لواقعها الاستبدادي.
إذا كان المجتمع الدولي جادًا في الدفاع عن حقوق الإنسان، فلا يمكنه السماح لدولة تنفذ الإعدامات الجماعية، تسجن المعارضين، وتعذب العمال والمهاجرين، بأن تُنظم حدثًا عالميًا مثل إكسبو 2030. إقامة المعرض في السعودية تعني التواطؤ مع نظام استبدادي يسحق شعبه، وشرعنة قمعه من خلال الفعاليات الدولية.
ندعو الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، ومنظمات حقوق الإنسان إلى اتخاذ موقف واضح برفض استضافة السعودية لإكسبو 2030، ومحاسبتها على جرائمها بدلًا من مكافأتها بمنصات عالمية تخدم دعايتها الكاذبة. لا يمكن السماح بأن تصبح الفعاليات الدولية غطاءً لغسيل السمعة وتبرير الجرائم.
إذا كان العالم لا يزال يدّعي التزامه بحقوق الإنسان، فلا يمكنه تجاهل كل هذه الجرائم مقابل المال والنفوذ. إكسبو 2030 في السعودية يعني شرعنة الاستبداد، والمشاركة في تبييض القمع والدماء.