البيت الأبيض يغير لهجته تجاه محمد بن سلمان… هل ضاع الأمل الأخير للانتصاف لخاشقجي؟
انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء -يتزايد تأكيدها يوماً بعد يوم- عن زيارة محتملة من بايدن للرياض، حيث يسعى لتقريب المسافات مع دول المنطقة وخاصة ولي العهد السعودي بعد أزمة النفط التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، والحاجة لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار.
على مدار أشهر، ظل الرئيس الأمريكي جو بايدن متمسكاً بالوعود -التي أطلقها إبان حملته الانتخابية – والتي أكد فيها على أنه سيجعل المملكة العربية السعودية -وبالأحرى نظامها- “منبوذة”، وسيعاقبها على جريمة قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، فضلاً عن وقف الدعم الأمريكي الهجومي لحرب السعودية في اليمن، وإيلاء ملف حقوق الإنسان أهمية قصوى.
رفض بايدن التعامل مع محمد بن سلمان مباشرة، وبدلاً من ذلك أكد أن ممثل السعودية في نظرهم هو والده العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مقللاً بذلك من شأن محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للبلاد، وصاحب السلطة الفعلية في إصدار الأوامر والقرارات، بل إن بايدن رفع السرية عن تقرير استخباراتي خلص إلى أن ولي العهد السعودي متورط في جريمة قتل خاشقجي، وأن فريقاً سعودياً مرتبط بصلات مباشرة بمحمد بن سلمان نفذ عملية الاغتيال الوحشية في إسطنبول.
الأمور تغيرت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ ارتفعت أسعار النفط بصورة تسببت في ارتباك للاقتصادات العالمية، بما فيها أوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى ظهور دلائل تفيد أن السعودية قد تستعيض عن الولايات المتحدة وتتحالف مع روسيا، ما أربك حسابات بايدن، وشيئاً فشيئاً تغيرت لهجته تجاه السعودية حتى أنه طلب الحديث إلى ولي العهد شخصياً لحل أزمة النفط، لكن المصادر تؤكد أن محمد بن سلمان رفض الرد على بايدن.
وفي خطوة نادرة، أشاد البيت الأبيض مؤخراً بالدور الذي لعبه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تمديد وقف إطلاق النار في اليمن يوم الخميس، متجاهلاً كافة جرائم الحرب التي ارتكبت بأوامر مباشرة منه ضد المدنيين اليمنيين.
أعقب هذه الإشادة إعلانات عن زيارة محتملة من الرئيس بايدن إلى الرياض، والتي بالطبع سيكون المضيف الرئيسي فيها هو محمد بن سلمان الذي تجاهله بايدن وتجنب عمداً الحديث إليه منذ توليه الرئاسة.
وبالرغم من البيت الأبيض صرح مؤخراً أن بايدن لا يزال يشعر بأن بن سلمان “منبوذ” بسبب دوره الذي خلصت إليه المخابرات الأمريكية في قتل وتقطيع أوصال جمال في القنصلية السعودية في إسطنبول في عام 2018، إلا أن الحديث عن زيارة السعودية يوحي بعكس ذلك.
جريمة اغتيال خاشقجي شوهت صورة ولي العهد الذي كان يقدم نفسه كإصلاحي مجدد أمام الغرب، وبالرغم من الدلائل التي تشير إلى تورطه فيها، إلا أن الولايات المتحدة لم توقع ضده أي عقوبات مباشرة، واكتفت بنشر التقرير ومنع المتورطين الآخرين من دخول أراضيها.
في أبريل/نيسان الماضي، قررت تركيا إغلاق ملف خاشقجي ووقف المحاكمة الغيابية التي كانت تُقام على أراضيها، ونقل القضية للسلطات السعودية.
هذه الخطوة أصابت المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الحقوقية وأصدقاء خاشقجي بإحباط كبير، إذ كانت المحاكمة في تركيا تفتح بصيص من الأمل في إمكانية تحقيق العدالة لخاشقجي، واليوم بعد إعلان بايدن -الضمني- تراجعه عن موقفه من بن سلمان واستعداده للتعاون معه، فإن الأمل الأخير في الانتصاف لخاشقجي على وشك التلاشي والضياع.
إن قادة العالم اليوم يؤكدون أن المصالح الاقتصادية والتجارية أكثر أهمية من قيمة حقوق الإنسان وحياة الشعوب الذين فوضوهم بشكل أو بآخر لتولي زمام الأمور واتخاذ القرارات التي يجب أن تصب في مصلحة العامة، وما من مصلحة أكبر من أن يعيش المرء في أمن وأمان على أرض وطنه دون أي تهديدات أو ملاحقات أمنية بسبب تمسكه بحرية التعبير عن رأيه.