منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لا يزال مصير الشيخ عبد الله الأهدل مجهولًا بعد اعتقاله في مكة المكرمة أثناء أدائه مناسك العمرة، على خلفية نشره مقالًا بعنوان “خذلان الحكام“ انتقد فيه المواقف المتخاذلة للحكومات العربية تجاه ما يجري في غزة. ورغم مرور أكثر من عام ونصف على احتجازه، لا معلومات رسمية عن مكانه أو وضعه، ولا أي مؤشرات على نيّة السلطات الإفراج عنه.
اعتقال الأهدل لم يكن حالة استثنائية، بل جزء من نهج ممنهج بدأ مع تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد عام 2017، حيث تحوّلت السعودية إلى دولة تصادر الكلمة، وتلاحق كل من يتحدث، أو حتى يكتب، عن القيم والكرامة والحق.
لكن ما يضاعف خطورة هذا الاعتقال ليس فقط التوقيت أو الأسلوب، بل السياق الأوسع: بينما تُباد غزة بلا توقف منذ أكثر من 18 شهرًا، وتُذبح العائلات، ويُجوّع الأطفال، وتُحاصر الحياة، تُمارس السعودية وحكومات عربية أخرى دورًا وظيفيًا في هذه الإبادة، لا يقتصر على الصمت، بل يمتد إلى الدعم غير المباشر للاحتلال.
السعودية، التي تدّعي الوقوف مع فلسطين، تُبرم عقودًا بمليارات الدولارات مع شركات سلاح مثل BAE Systems، التي تُسلّح الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر أو عبر الولايات المتحدة. الأموال التي تُضخّ إلى واشنطن تُترجم إلى قنابل على رأس المدنيين، وإلى رصاصات تُطلق على أطفال اللاجئين، وإلى صفقات صمت دولي على حساب الدم الفلسطيني.
الأهدل لم يطالب إلا بموقف مشرّف، لم يحمل سلاحًا، لم يخرق قانونًا، لكنه انتقد “الخذلان”، فكان جزاؤه السجن. سُجن لأنه قال ما لا يجرؤ عليه كثيرون: أن القمم العربية باتت بلا معنى، وأن الأنظمة العربية تخلّت عن شعوبها وعن قضيتها المركزية.
إن منظمة معًا من أجل العدالة تؤكد أن استمرار احتجاز الشيخ عبد الله الأهدل هو انتهاك صارخ لحرية التعبير وحقوق الإنسان، ويعكس وحشية نظام لا يحتمل النقد، حتى عندما يكون النقد دفاعًا عن حياة الأبرياء.
نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الشيخ عبد الله الأهدل، والكشف عن مكان احتجازه وظروفه الصحية والقانونية، ومحاسبة كل من تورّط في جريمة إخفائه.
ونُحمّل المجتمع الدولي، الذي يواصل تلميع صورة النظام السعودي عبر التطبيع والتفاهمات، مسؤولية هذا القمع، ونذكّره بأن من يسجن الكلمة لن يصنع سلامًا، وأن من يمارس القمع في الداخل لا يمكن أن يكون شريكًا في العدالة خارجه.
السعودية اليوم ليست فقط متواطئة في الإبادة الجماعية في غزة، بل أيضًا تشن حربًا على من يُدينها. وبينما تُبرم الصفقات مع قتلة الأطفال، يُسجن من يكتب “خذلان الحكام”.



