صحافة عالمية

تحليل: مبررات إدارة بايدن لتحصين بن سلمان واهية غير منطقية!

ترجمة عن صحيفة الغارديان

قبل عشر أيام تقريبًا، منحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ولي العهد السعودي حصانة سيادية في قضية مدنية تتعلق بقتل الصحفي جمال خاشقجي واصفة قرارها بأنه “قانونيًا بحتًا” لا يعكس وجهة نظرها في جريمة القتل التي تراها “مروعة وشنيعة”، إذ قال أنتوني بلينكين وزير الخارجية: “نحن ببساطة نتبع القانون”.

لكن بدراسة حيثيات القرار وفحص تصرفات إدارة بايدن عبر مقابلات مع الخبراء القانونيين والأشخاص الذين تابعوا الأمر عن كثب، وُجد أن مبررات هذا القرار المثير للجدل لم تكن حقيقية على الإطلاق.

ابتداءً من الصيف الماضي، أتاح قرار الإدارة بتأجيل الإجراءات والسعي لأشهر من التمديدات القانونية قبل تقديم آرائها في الموضوع أمام قاضٍ أمريكي للسعودية فرصة غير مسبوقة لحماية الأمير محمد من خلال مناورة قانونية جعلته فوق القانون وذلك بترقيته ليصبح رئيسًا للوزراء.

قال أحد المراقبين المطلعين على الأمر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه حتى يتمكن من التحدث بصراحة: “إذا نظرت إلى تسلسل الأحداث، فمن الصعب ألا ترى أنها معركة بين بايدن ومحمد بن سلمان… أكره أن أتخيل أن هناك مقايضة على نظامنا القضائي وأن اتخاذ قرار نزيه كان في متناول اليد”.

وجه قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية جون بيتس دعوة إلى الحكومة الأمريكية للمشاركة في الدعوى المدنية المرفوعة ضد محمد بن سلمان ومساعديه في الأول من يوليو / تموز من خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، اتهمتهم فيها بالتآمر مع سبق الإصرار على خطف وتعذيب وقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.

كان طلب بيتس صريحًا، لقد أمهل الإدارة 30 يومًا – حتى 1 أغسطس/آب – لتقديم “بيان المصالح” والتفكير فيما إذا كان يجب منح وريث العرش السعودي حصانة سيادية في القضية، أو إخبار المحكمة بأنها لا ترغب في ذلك، كما أراد القاضي من الإدارة أن تدرس كيف يمكن للمحكمة أن توفق بين تدابير الحماية الممنوحة للقادة الأجانب وأولئك الذين يستخدمون قانونًا أمريكيًا يسمح لضحايا التعذيب أو القتل خارج نطاق القضاء بمحاسبة الجناة.

في تلك الأثناء، لم يكن لمحمد بن سلمان أي صفة رسمية أو قانونية تؤهله للحصول على الحصانة، إذ لم يكن ملكًا أو رئيس دولة أو رئيس حكومة، هذه الصفات كانت تنطبق على والده وليس هو.

قال هارولد كوه، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية خلال إدارة أوباما والذي يعمل الآن أستاذًا للقانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، إن الولايات المتحدة كانت لديها مصالح متنافسة في ذلك الوقت.

من ناحية أخرى، تؤكد الولايات المتحدة على المبادئ المتبادلة للحصانة بحيث يُمنح رئيس دولتها الحماية من المحاكم القانونية، ولكن كان يجب موازنة ذلك مع تصريحات بايدن حول جعل ملفات حقوق الإنسان على رأس أولويات السياسة الخارجية لإدارته و “فهم المستبدين أن الرئيس يعني ما يقول”.

وقال كوه: “كل الأشياء التي تم أخذها في الاعتبار، كان الصمت هو أفضل طريقة لتحقيق التوازن بين تلك المصالح الوطنية المتنافسة”، مضيفًا أنه كان من الممكن أن تكون هناك “سابقة كافية” لوزارة الخارجية بالتزام الصمت بدلًا من التدخل ومنحه الحصانة من عدمه.

في 15 يوليو/تموز، التقى جو بايدن بالأمير محمد في جدة، وهو الاجتماع الذي بدأ بالتحية بقبضة يده وكان الهدف منه “إعادة ضبط” علاقته مع زعيم كان يصفه بأنه منبوذ.

اتضح لاحقًا أن الاجتماع كان أيضًا بداية حملة من قبل الإدارة الأمريكية لمحاولة إقناع السعوديين بعدم خفض إنتاج النفط قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة.

بالعودة إلى واشنطن، بعد بضعة أيام فقط في 18 يوليو/تموز، طلبت الولايات المتحدة من القاضي بيتس تمديد المهلة، قائلة إنها بحاجة إلى وقت للتشاور مع كيانات متعددة داخل الإدارة فيما يتعلق “بالقضايا المعقدة للقانون الدولي والمحلي”، وعليه وافقت المحكمة، وأعطت الولايات المتحدة مهلة حتى 3 أكتوبر/تشرين الأول للرد.

بعد أسابيع، في 23 سبتمبر/أيلول، قام بريت ماكغورك، منسق سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي (NSC) ، وعاموس هوشستين، كبير المستشارين الأمريكيين لأمن الطاقة، بزيارة جدة مرة أخرى، ظاهريًا لمناقشة سياسات الطاقة.

وبعد أيام، في 27 سبتمبر/أيلول، أعلن الديوان الملكي السعودي أن الأمير محمد قد تم تعيينه رئيسًا للوزراء، وهو الدور الذي كان وما زال يشغله الملك السعودي، وأشار مراقبون إلى أن الترقية الظاهرة لم تمنح محمد بن سلمان أي واجبات أو صلاحيات رئيسية جديدة، لكن المدافعون عن حقوق الإنسان اعتبروها حيلة للتأثير على توصية الولايات المتحدة بشأن الحصانة السيادية.

طلبت حكومة الولايات المتحدة، مستشهدة بـ “الظروف المتغيرة”، تمديداً ثانياً لإعداد ردها وبالفعل مُنحت تمديدًا أخيرًا حتى 17 نوفمبر / تشرين الثاني، وبعد أيام قليلة من تخلفها عن الموعد النهائي في 3 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت منظمة أوبك + أنها ستخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، فيما اعتبره الديمقراطيون محاولة من المملكة للتدخل في الانتخابات الأمريكية والوقوف إلى جانب روسيا ضد المصالح الأمريكية.

وعد بايدن بأن السعودية ستواجه “عواقب” على هذا القرار، لكنه لم يوضح أي إجراءات محددة يخطط لاتخاذها ضد المملكة، وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل ساعات فقط من الموعد النهائي في منتصف الليل، قدمت الإدارة إشعارًا بأنها تعتقد أن الأمير محمد بن سلمان، بصفته رئيسًا للوزراء، يستحق أن يُعامل بصفته صاحب السيادة كمسألة معيارية في القانون الدولي.

وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي لصحيفة الغارديان إن الرئيس الأمريكي قد تم اطلاعه على قرار الحصانة، الذي استند إلى “مبادئ راسخة للقانون العام”.

عندما سألت صحيفة الغارديان المتحدث الرسمي عما إذا كان أي مسؤول أمريكي قد اقترح على المملكة العربية السعودية تعيين الأمير محمد رئيسًا للوزراء قبل نشر الأمر، قال المتحدث: “كان هذا قرارًا مستقلاً اتخذته المملكة العربية السعودية بنفسها”.

يقول الأشخاص المطلعون على الأمر إن الأسئلة القانونية حول وضع الأمير محمد كانت محل نقاش ساخن داخل وزارة الخارجية، حيث اختلفت الآراء حول أفضل مسار للعمل.

في المناقشات داخل الإدارة، قام كبار المسؤولين مثل ماكغورك الذين سعوا إلى تعزيز إعادة تأهيل العلاقة السعودية الأمريكية بتفوق أهداف السياسة التي تركز على حقوق الإنسان.

الإدارة الأمريكية الحالية اتخذت القرار الذي اتخذته متعللة بأن محمد بن سلمان هو رئيس الوزراء، لكن حسب أحد المدافعين عن حقوق الإنسان فإن الإدارة كان بإمكانها اتخاذ القرار قبل ترقية ولي العهد بفترة كبيرة، لكنها “تباطأت كثيرًا… كان من الواضح أن هذا قرار سياسي من حيث إنهم انتظروا الترقية كي يمنحوه السيادة”.

وأضاف الشخص: “عندما اتخذ بايدن قرارًا بنشر تقرير استخباراتي رفعت عنه السرية خلصت نتائجه إلى أن الأمير محمد قد أمر بالقتل على الأرجح، لم تُفرض أي عقوبات ضد بن سلمان”، مضيفًا “لقد مهد ذلك الطريق إلى تصرفات إدارة بايدن مع بن سلمان، وأشار إلى أن خطاب بايدن كان مجرد شعارات واهية تفتقر إلى مضمون حقيقي على أرض الواقع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى