
ثماني سنوات قضاها الدكتور عصام الزامل في السجن، بلا جريمة، بلا محاكمة عادلة، وبلا ذنب سوى أنه مارس دوره الطبيعي كخبير اقتصادي طرح أسئلة على خطط الإنفاق العام، وقدّم تحليلات علنية لخطر التفريط في الثروة، وتوسّع غير مدروس في الاستثمارات الخارجية.
في سبتمبر/أيلول 2017، اعتقلته السلطات السعودية ضمن حملة شرسة طالت المفكرين والاقتصاديين والدعاة، بالتزامن مع صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد. لم يكن الزامل يحرّض أو يتخفّى، بل يكتب باسمه الصريح، ويحاور علنًا، ويساهم بأفكاره في النقاش العام حول ما يسمى رؤية 2030.
الاعتقال جاء بعد مشاركته في وفد رسمي زار الولايات المتحدة لمرافقة الملك سلمان، وهو ما يعكس المفارقة: خبير اقتصادي موثوق في دوائر الدولة، يتحول إلى “متهم” خلال أيام، وتُفتح له ملفات ملفقة من نوع “تهديد الوحدة الوطنية” و”تخريب النسيج الاجتماعي”، وهي تهم اعتادت السلطات استخدامها لقمع كل من يخرج عن السطر.
ثلاث سنوات قضاها محتجزًا دون محاكمة، في ظروف مهينة، قبل أن تُصدر المحكمة الجزائية المتخصصة حكمًا بالسجن 15 عامًا، بعد جلسات سرية افتقرت إلى التمثيل القانوني، ولم يُسمح لفريق الدفاع بالاطلاع على ملف القضية، ولم تُعرض خلالها أدلة تستحق أن تُسمى بهذا الاسم.
خلال سنوات اعتقاله، تعرّض الزامل لعزل شبه دائم، حُرم من العلاج اللازم، نُقل مرارًا إلى الحبس الانفرادي، وظل يُعامل كخطر على الدولة فقط لأنه حذّر من العبث بثرواتها.
كان الزامل خبيرًا اقتصاديًا قدّم مقترحات مكتوبة ومعلنة لتحسين بنية الاقتصاد السعودي وتوجيه الاستثمارات نحو ما يخدم المواطن لا ما يخدم الصورة. الدولة قابلت رأيه بالسجن، وحكمت عليه في محكمة سرية بالسجن خمس عشرة سنة، بتهم فضفاضة لا تستند إلى وقائع، ولا تقف على قدم العدالة، مثل “تعريض الوحدة الوطنية للخطر” و”تخريب النسيج الاجتماعي”.
ما حذّر منه الزامل حدث لاحقًا على أرض الواقع. محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان نفسه اعترف مؤخرًا بأن الصندوق تعرّض لعملية خداع قانوني ضخمة في واحدة من صفقاته مع بنك كريدي سويس، ما تسبب في ضياع مليارات الدولارات من أموال الشعب. الخطأ لم يكن في طبيعة الاستثمار فقط، بل في غياب الرقابة، وغياب الكفاءات الحقيقية التي زُج بها في السجون لأن صوتها لم يكن تابعًا ولا خاضعًا.
المفارقة أن الشخص الذي دق ناقوس الخطر مبكرًا يعاني اليوم من عزلة وانتهاكات مستمرة، من حرمان من الرعاية الطبية، إلى النقل المتكرر إلى الحبس الانفرادي، في الوقت الذي تُدار فيه ملفات اقتصادية حساسة بعشوائية مفرطة وارتجال لا يخضع لأي محاسبة.
الإبقاء على الدكتور عصام الزامل خلف القضبان لا يضر به وحده، بل يضر الدولة نفسها، ويؤكد أن مشاريعها لا تحتمل رأيًا مغايرًا، حتى لو كان رأيًا من داخل التخصص وبهدف المصلحة العامة.
منظمة معًا من أجل العدالة تطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الدكتور عصام الزامل، وفتح تحقيق مستقل في ملابسات محاكمته وظروف احتجازه، ومحاسبة الجهات التي استخدمت القضاء كأداة لإسكات الكفاءة وتغليب الطاعة على العقل. إن بقاء الزامل في السجن هو رسالة لكل صاحب رأي حر بأن الكفاءة جريمة، والنصيحة خيانة، وأن البلاد لا تُدار بالعقلاء، بل تُحكم بمنطق الخوف والولاء.



