ذريعة تمييزية ظالمة.. كيف توظف السعودية “القانون” لاحتجاز العاملات تعسفيا؟
ما زال نظام الاسترقاق الظالم في المملكة العربية السعودية والمتوج قانونيا باسم “نظام الكفالة” ينتهك المزيد من حقوق العمال والعاملات في مملكة العصور الوسطى التي تنزع عن العمال صفات إنسانيتهم، بداية من إطلاق لقب الوافدين عليهم، في تسمية تمييزية غير معروفة في أي بلد حول العالم، وصولا إلى تقنين إجراءات انتهاكات حقوقهم عبر قوانين معتمدة.
رجل الأمن السعودي الذي يدافع باستماتة عن أركان النظام والأخطار المحدقة به، يعود إلى بيته مطمئن البال ليحتضن أولاده ويلقي جسده بينهم على أريكته المريحة، بينما هو في الصباح قد حرم عشرات الأمهات من أطفالهن، بعدما زج بهن إلى غياهب العزل والإيقاف دون سبب منطقي سوى أنهن عاملات وافدات “لا ظهر لهن ولا سند”.
فقد قالت منظمة العفو الدولية أن السلطات السعودية تحتجز العشرات من عاملات المنازل القادمات من سريلانكا بشكل تعسفي، في أحد مراكز الترحيل في المملكة، ويؤكد بيان المنظمة أن هناك العديد من العاملات المحتجزات من تحتاج منهن إلى الرعاية الطبية، ولا تقدم لهن السلطات أي دعم قانوني، ولا يعرفن سبب أو مدة الاحتجاز، بالإضافة إلى وجود بعض النساء المحتجزات يقبعن في المركز مع أطفالهن، وبعضهن حوامل.
وقالت إحدى النساء اللاتي ينتظرن العودة إلى بلادهن، إنها تركت وظيفتها كعاملة منزل في أكتوبر 2020 بعد شهور من تلقي أجورها على نحو غير منتظم مذ بدأت العمل لأول مرة في السعودية في منتصف عام 2018، ما تركها مفلسة إلى حد كبير مقارنة بالعمل الذي أنجزته.
وقد عمد صاحب عملها إلى اقتطاع كلفة أدوات النظافة من راتبها. وعندما استقالت، أعطاها بعض المال لابتياع تذكرة طيران، ثم تركها في الشارع بالقرب من المطار لتجد طريقها للعودة إلى سريلانكا. عندها، تم تسليمها إلى الشرطة من قبل مسؤولي المطار، بعدما احتجزت لدى محاولتها شراء تذكرة طيران من دون امتلاكها تصريح خروج.
ولم يتم إبلاغ أي من النساء بأيّ تهمٍ وُجهت إليهن؛ كما لم يتم منحهن إمكانية الاتصال بمحام، أو تلقي أي مساعدة قنصلية. وتعرض العديد منهن للاحتجاز بعد عجزهنّ عن الحصول إما على تصريح خروجٍ من صاحب العمل لمغادرة البلاد، أو على تصريح عملٍ لتنظيم إقامتهن في البلاد.
وبموجب نظام الكفالة في السعودية الذي يربط العمال الأجانب بصاحب العمل، يعد هذا سبباً للاحتجاز إلى أجلٍ غير مسمى، فيما ناشدت المنظمة الدولية السلطات السريلانكية والسعودية للمطالبة بتسريع إطلاق سراح النساء المحتجزات وإعادتهن إلى بلادهن.
انتهاكات مستمرة
الانتهاكات بحق العمال الأجانب مستمرة في المملكة منذ عقود، وسبق أن قالت “هيومن رايتس ووتش” مطلع العام 2018، تزامنا مع حملة دعائية مدفوعة في أوروبا لما يسمى بإصلاحات الأمير محمد بن سلمان الداخلية، إنّ القمع المستمر وعدم احترام الحقوق الأساسية يشكلان عقبات رئيسية أمام التقدم، حيث يقلّل قمع المجتمع المدني المستقل والأصوات الناقدة، التي يمكن أن تقدم ملاحظات موضوعية، من فرص نجاح أي جهود لإصلاح مزعوم.
وحتى هذه اللحظة، لا يزال رجال دين بارزون، ومثقفون معروفون، وأكاديميون، ونشطاء حقوقيون معتقلين منذ 2017، فيما يُظهر استهداف السلطات السعودية التعسفي والمنتهِك للمعارضين والناشطين، والغياب التام لمحاسبة المسؤولين عن الاعتقالات والتعذيب، أنّ سيادة القانون في السعودية ضعيفة، وأنّ القيادة السعودية تقوّضها متى شاءت.
نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، مايكل بَيْج، قال إن “الإعلان عن الإصلاحات لا يوقف قمع السلطات بدون قيود ضد النشاط المدني، والذي يقوّض بشكل أساسي هذه الإجراءات. عندما تعاقب الحكومة بوحشية المواطنين والوافدين الذين يجرؤون على تقديم ملاحظات نقدية صادقة، لن تنجح في الترويج للإصلاحات المقترحة باعتبارها جهودا حقيقية لتحسين حياة الناس”.
إصلاحات وهمة
في أكتوبر 2020، أعلنت السلطات السعودية إصلاحات وهمية لنظام الكفالة سيئ السمعة، الذي يربط الوضع القانوني لملايين العمال الوافدين بالكفلاء، ويسهل سوء المعاملة والاستغلال، بما في ذلك العمل القسري، لكنّ على أرض الواقع، لا تزال السعودية تمنع النقابات العمالية والإضرابات، ولم تتشاور السلطات مع مجموعات العمال الوافدين بشأن هذه الإصلاحات القادمة.
وقد تمّ استبعاد 3.7 مليون عاملة وعامل منزليين، المستثنين أيضا من قانون العمل، من هذه التغييرات المتواضعة، حيث تواجه كثيرات انتهاكات جسيمة، منها ساعات العمل الطويلة من دون يوم عطلة، والإقامة الجبرية، والاعتداء الجسدي والجنسي، ويظلّ أصحاب العمل قادرين على إلغاء أية تصاريح للعمال، فيتركونهم من دون أوراق.
وبشكل عام، تفتقر السعودية إلى قانون عقوبات أو عمل مكتوب وتعمل دون لوائح محددة الصياغة، بحيث يمكن للقضاة والمدعين العامين إدانة العمال الأجانب والمواطنين على السواء بمجموعة واسعة من الجرائم بموجب تهم واسعة النطاق وشاملة، مثل “نقض البيعة مع ولي الأمر” أو “محاولة تشويه سمعة المملكة”، وعادة ما يواجه المعتقلون، بمَن فيهم الأطفال، الاعتقال التعسفي، والانتهاكات المنهجية للإجراءات القانونية الواجبة والحق في المحاكمة العادلة.
اقرأ أيضًا: مطالبات حقوقية بوقف الانتهاكات بحق حقوقية المنطقة الشرقية نسيمة السادة والإفراج عنها
تعليق واحد