حقوق الإنسان إلى الهاوية: زيارة بايدن للسعودية خيانة للعهود وخذلان للضحايا

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن البيت الأبيض -رسمياً- عن زيارته للمملكة العربية السعودية الشهر المقبل ضمن جولة خارجية لمنطقة الشرق الأوسط من 13 إلى 16 يوليو/تموز، تبدأ بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي، ثم المملكة العربية السعودية.
إعلان البيت الأبيض عن كسر الحاجز مع السعودية والذهاب إليها ومقابلة ولي العهد السعودي رسمياً وجهاً لوجه، جاء بعد تأييد القضاء السعودي حكماً بإعدام الشاب المعتقل عبد الله الحويطي على خلفية اتهامه بجرائم ارتكبت حين كان قاصراً.
الحكم كان بمثابة صدمة للجميع، خاصة وأن النظام السعودي، وبمرسوم ملكي في 2020، قرر وقف تنفيذ عقوبة الإعدام أو إصدار أحكام بالإعدام على من كانوا أطفالاً وقت ارتكاب الجريمة، لكن وبالرغم من المناشدات الحقوقية التي لم تتوقف أبداً، أعلنت السلطات السعودية أنها ذات معايير مزدوجة، وقررت تأييد هذا الحكم القاسي على القاصر -رغم المحاكمة الهزلية التي تعرض إليها.
اعتقل عبد الله الحويطي في 08 مايو/أيار 2017، بعد يومين فقط من وقوع جريمة سطو مسلح على محل لبيع الحلي الذهبية وقتل عسكري بسلاح ناري في محافظة ضباء، حيث داهم رجال أمن ملثمون منزل أسرة الطفل [آنذاك] عبد الله الحويطي وقاموا باعتقاله وأخيه عبد العزيز واقتيادهما إلى مركز شرطة محافظة ضباء.
في 27 أكتوبر/ تشرين أول 2019 أصدرت المحكمة الجزائية في تبوك حكمًا بقتل الحويطي، كما أُدين خمسة آخرون معه بالتورط في نفس الجريمة وحُكِم على كل واحد منهم بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً، بالإضافة للجلد ألف جلدة ودفع قيمة المسروقات التي تقدر بـ 800 ألف ريال سعودي، لكن المحكمة العليا قامت بقبول النقض لعدم صحة اعترافاته -كما أوضح قرارها- إذ قال عبد الله ومن معه أنهم تعرضوا للتعذيب والتهديد بالتعذيب للاعتراف بهذه الجريمة.
وبحسب عائلة عبد الله الحويطي فإنه أخبر العائلة أنه تعرض “لظروف مرعبة” -على حد وصفه- أجبرته على التوقيع على أوراق لا يعرف محتواها، حيث قال إنه أُجبر على الوقوف لساعات طويلة في مركز شرطة ضباء، كما تعرض للسب والإهانات اللفظية البشعة، وأضاف أنه فقد وعيه أكثر من مرة بسبب الإرغام على الوقوف لساعات طويلة، وأنه ضُرب على الوجه، والبطن وباطن القدمين بسلك كهربائي، وأُجبر على الوقوف أمام المكيف مباشرة، وأُرغم على مسك قدمي شقيقه أثناء تعذيبه، كما تم إيهامه بأن والدته وأخواته معتقلات، ولن يُفرج عنهن إلا بعد اعترافه.
الحكم على الحويطي جاء بالرغم من أن كاميرات منصوبة عند كورنيش مدينة ضباء أظهرت تواجده هناك وقت الحادث، أي أنه لم يكن متواجداً في محل ارتكاب الجريمة أثناء حدوثها.
من جانبنا نؤكد أن هذا الحكم ينتهك اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعودية عام 1996، كما ينتهك قانون نظام الأحداث المحلي الذي ينص صراحة على منع إصدار أحكام الإعدام بحق الأطفال (دون 15 عاما)، ويتم استبدالها بعقوبات أخرى (المادة 15).
ظاهرياً، يدعي بايدن أنه سيزور السعودية -بعد فترة من المقاطعة الضمنية- من أجل بحث ملفات هامة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي واستقرار المنطقة، وكذلك من أجل الوصول إلى حل لأزمة أسعار النفط التي ضربت العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن محللون يؤكدون أن الهدف من هذه الزيارة هو أولاً للحفاظ على مصالح إسرائيل، وثانياً من أجل الحفاظ على شعبية حزبه التي يهددها ارتفاع أسعار النفط.
إن زيارة بايدن للسعودية، في ظل استمرار النظام هناك في ارتكاب انتهاكات وجرائم شبه يومية ضد النشطاء، وفي ظل استمرار التعذيب في السجون، وإصدار أحكام باطلة عن قضاء مسيس، وفي ظل استمرار ملاحقة المعارضين في الخارج، لا يمكن تفسيرها إلا أنها اعتراف بشرعية هذه الجرائم، وضوء أخضر لارتكاب المزيد منها.
ونؤكد أن التعاون مع نظام محمد بن سلمان، قبل محاسبة الجناة والمسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت ضد حقوق الإنسان والحريات، هو بمثابة عفو أمريكي واضح وصريح عن هذه الانتهاكات، وخيانة وخذلان للضحايا الذين سرق هذا النظام أملهم في وطن حر وديموقراطي.
لقد تعهد بايدن بمحاسبة قتلة خاشقجي، ووعد مراراً وتكراراً بوضع حقوق الإنسان رأس وأولويات السياسة الخارجية الأمريكية، لكن الواقع الآن يؤكد أن حقوق الإنسان لا مكان لها في القائمة من الأساس، وأن قتلة خاشقجي سينعمون بحماية أمريكية وحصانة دولية تمكنهم من تكرار هذه الجريمة وبطريقة أكثر بشاعة.