تقارير

“طفح الكيل”… علاقة السعودية والولايات المتحدة تثير الجدل من جديد

من خلال التلاعب في أسعار النفط العالمية تمكنت المملكة العربية السعودية من إذلال بايدن ودعم بوتين… يجب على الولايات المتحدة إنهاء هذا التحالف غير الرسمي!

في يوليو/تموز 2022 سافر جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية لأول مرة كرئيس والتقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحياه بحميمية بالغة مخالفًا بذلك كل الوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية للرئاسة، إذ تعهد بجعل السعودية “منبوذة” لانتهاكاتها لحقوق الإنسان وحربها المستمرة منذ سبع سنوات ضد اليمن.

وباء كورونا الذي تفشى قبل عامين تقريبًا، والغزو الروسي الوحشي ضد أوكرانيا أجبرا بايدن على التراجع عن موقفه المضاد للسعودية والاتجاه لطريق السياسة الواقعية التي تفضل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان والقيم الإنسانية.

وجد الرئيس الأمريكي نفسه في حاجة إلى النظام السعودي لزيادة إنتاج النفط من أجل خفض أسعار البنزين للمستهلكين الأمريكيين، لذلك ابتلع بايدن كبريائه وعامل ولي العهد كزعيم عالمي يمتلك كل صفات القائد المتميز.

لكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ جاءت هذه الزيارة بنتائج عكسية توقع حدوثها خبراء ونشطاء حقوقيون وسياسيون كبار، وحذروا بايدن من أن تقارب العلاقات مع محمد بن سلمان سيساعده على تأهيل سمعته لكنه أبدًا لن يساهم في تحقيق أي تحسين في ملف حقوق الإنسان.

خيب محمد بن سلمان آمال بايدن بعد قراره على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا وقت سابق من هذا الشهر، إذ وافقت منظمة أوبك + للطاقة التي تقودها السعودية على هذا القرار، مما يعني ارتفاع أسعار الوقود في الخريف والشتاء.

في الواقع، تسبب ولي العهد السعودي في إلحاق ضرر سياسي بإدارة بايدن قبل شهر من انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة، وبعد انخفاض أسعار البنزين في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثة أشهر منذ يونيو/حزيران، عادت الأسعار للارتفاع مرة أخرى بعد قرار أوبك + الأخير.

يهدد ارتفاع الأسعار آمال الديمقراطيين في الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الكونجرس بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، ومن الواضح أن الأمير وحلفائه الخليجيين فضلوا التعامل مع دونالد ترامب، الذي منحت إدارته الجمهورية الأمير محمد شيكًا على بياض فيما يتعلق بجرائمه ضد حقوق الإنسان مقابل أسعار نفط مستقرة ومبيعات أسلحة بمليارات الدولارات.

لم تنجح الزيارة في إثناء محمد بن سلمان كذلك عن التقارب مع الروس، بل انحاز السعوديون إلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يحتاج إلى أسعار نفط أعلى للمساعدة في تمويل حربه ضد أوكرانيا.

وكجزء من عقوباتهما الاقتصادية ضد موسكو، تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض سقف على السعر المدفوع لروسيا مقابل صادراتها النفطية، لكن هذا الجهد يمكن أن ينهار الآن مع ارتفاع أسعار النفط العالمية وبداية فصل الشتاء حيث من المتوقع أن ترتفع تكاليف التدفئة بسبب حرب أوكرانيا.

قرارات محمد بن سلمان الأخيرة أثارت غضبًا واسعًا في صفوف السياسيين الأمريكيين، حتى “الواقعيين” منهم، والذين تجاهلوا لسنوات الانتقادات التقدمية للشراكة الأمريكية السعودية، يفرضون السؤال الآتي: إذا لم تستطع واشنطن الاعتماد على إمدادات ثابتة من النفط، فما الذي ستحصل عليه مقابل ذلك؟ عقود من الدعم الثابت لآل سعود؟

إذا لم يرد بايدن بقوة على هذا القرار، فقد يشجع ولي العهد على اتخاذ المزيد من القرارات المتهورة، بخاصة وأنه لم ينفذ أي من وعوده حتى الآن في جعله المسؤولين السعوديين عن جرائم وحشية بما فيها قتل خاشقجي يتحملون المسؤولية.

بالإضافة إلى ذلك فإن عددًا متزايدًا من الديمقراطيين في الكونجرس، بمن فيهم الوسطيون الذين ترددوا في التخلي عن الشراكة على الرغم من سجل المملكة الفظيع في مجال حقوق الإنسان، يطالبون الآن باتخاذ إجراء.

في 10 أكتوبر/تشرين الأول، دعا السناتور بوب مينينديز، وهو ديمقراطي يرأس لجنة العلاقات الخارجية القوية، إلى تجميد فوري لـ “جميع جوانب التعاون الأمريكي مع المملكة العربية السعودية”، ووعد بمنع مبيعات الأسلحة الأمريكية في المستقبل. أما السناتور ديك دوربين، وهو ديمقراطي وسطي آخر في مجلس الشيوخ، كان أكثر قسوة، إذ كتب على تويتر أن آل سعود “لم يكونوا أبدًا حليفًا جديرًا بالثقة… حان الوقت لسياستنا الخارجية أن تعيش عالمًا بدون تحالفهم “.

في فبراير/شباط 2021، بعد أسابيع من توليه منصبه، نفذ بايدن وعده في حملته الانتخابية بإصدار تقرير موجز لنتائج الاستخبارات الأمريكية بشأن مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي، وخلص التقرير إلى أن الأمير محمد وافق على الاغتيال في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكن بايدن، الذي كان يشعر بالقلق من الإضرار بالشراكة الأمريكية السعودية، قرر عدم فرض عقوبات على ولي العهد.

من خلال التخلي عن وعده بمحاسبة قتلة خاشقجي، أقنع بايدن محمد بن سلمان بأنه أقوى من أن يعاقب، في الوقت نفسه برر مساعدو بايدن ذلك بأن منع ولي العهد السغودي من زيارة الولايات المتحدة أو استهداف ثروته الشخصية لن يحقق الكثير، لكن من المؤكد أن يكون عدم وجود عقوبات أو اتخاذ أي إجراء رمزي من قبل الإدارة الأمريكية قد شجع الأمير على التصرف كما يحلو له دون خوف من أي عواقب.

منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة بعد وقت قليل من تولي والده العرش في عام 2015، اتخذ عدد من القرارات المدمرة والقمعية، بما في ذلك الغزو الذي قادته السعودية لليمن وحملة المملكة لمحاصرة جارتها الأصغر قطر، فضلًا عن حملات الاعتقالات التعسفية التي طالت النشطاء والمفكرين والمدافعين عن حقوق الإنسان.

ترجمة عن الغارديان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى