
مرّت سبع سنوات كاملة على اعتقال المواطن السعودي عبد الرحمن الحوالي بشكل تعسفي، واحتجازه في ظروف مزرية تزداد سوءً يومًا بعد يوم، لا لسبب إلا لكونه نجل الداعية والباحث المعروف الدكتور سفر الحوالي، الذي اعتُقل هو الآخر بسبب نشره كتابًا ينتقد فيه سياسات النظام السعودي بقيادة محمد بن سلمان.
قضية عبد الرحمن الحوالي ما تزال تُجسّد مثالًا صارخًا على العقاب الجماعي والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في المملكة، فمنذ يوليو/تموز 2018، تعرّض عبد الرحمن للاعتقال التعسفي والانتهاكات المتكررة داخل السجن، وكل ذلك على خلفية صلته العائلية بوالده، أحد أبرز العلماء والدعاة الذين وجّهوا نقدًا علنيًا للسلطة.
جاء اعتقال عبد الرحمن في إطار حملة قمعية استهدفت عائلة الحوالي بعد نشر كتاب والده الذي تناول فيه الأوضاع السياسية والاجتماعية في المملكة. وخلال فترة احتجازه، التي ما تزال مستمرة حتى لحظة كتابة هذا البيان، تعرّض عبد الرحمن للاختفاء القسري والتعذيب الجسدي والحرمان من النوم، في محاولة للضغط على والده، كما مُنع من زيارة أطفاله، ما شكّل عبئًا نفسيًا وعاطفيًا بالغ القسوة.
ورغم غياب أي سند قانوني لاعتقاله، أصدرت السلطات السعودية حكمًا أوليًا بسجنه سبع سنوات، إلا أن محكمة الاستئناف صعّدت العقوبة بشكل مفاجئ إلى 17 عامًا، في انتهاك فاضح لأبسط القواعد القانونية. ويؤكد العديد من الخبراء أن هذا التمديد التعسفي يأتي في إطار سياسة انتقامية واضحة تستهدف أفراد العائلة دون تهمة حقيقية.
تم اعتقال عبد الرحمن وشقيقه عبد الله خلال حضورهما حفل زفاف عائلي في يوليو/تموز 2018، حين اقتحمت قوات الأمن الحفل واعتقلتهما دون أي مذكرة توقيف قانونية. وبعد ساعات، اعتُقل والدهما الدكتور سفر الحوالي من منزله، إلى جانب الابن الثالث إبراهيم، في مداهمة بثّت الرعب في نفوس الأسرة وتم خلالها مصادرة ممتلكاتهم الخاصة. وقد اختفت آثار الأسرة كلها قسرًا لأكثر من ثلاثة أشهر، دون أي معلومات عن مكانهم أو حالتهم الصحية.
ويُعاني الدكتور سفر الحوالي من تدهور صحي بالغ، نتيجة إصابته السابقة بكسر في الحوض ومضاعفات ناتجة عن سكتة دماغية، إضافة إلى حاجته الماسة إلى الرعاية بعد خضوعه لعملية زراعة كُلية تبرّع بها له ابنه عبد الله. إلا أن السلطات السعودية امتنعت عن تقديم الرعاية الطبية الكافية له داخل محبسه، ما يكشف مجددًا عن استهتار النظام بحياة المعتقلين وسلامتهم الجسدية.
وتُعد قضية عائلة الحوالي نموذجًا لتكتيك العقاب الجماعي الذي تنتهجه السلطات السعودية لإسكات المعارضين، إذ تلجأ إلى معاقبة أفراد أسرهم في محاولة لكسر إرادتهم وإرغامهم على الصمت. وهذه السياسة، التي تقوم على معاقبة الأفراد بسبب روابطهم العائلية فقط، تُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وفي مايو/أيار 2024، أدانت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة السعودية بسبب معاملتها للدكتور سفر الحوالي، مشيرة إلى فشلها في توفير الرعاية المناسبة لوضعه الصحي، واستمرارها في استخدام الحبس الانفرادي المطوّل ضده. ووصفت اللجنة هذه الممارسات بأنها تعذيب واحتجاز تعسفي، ودعت إلى مراجعة عاجلة لملفه وضمان محاكمة عادلة أو الإفراج الفوري عنه.
لكن، ورغم هذه الإدانة الدولية، واصلت السلطات السعودية تصعيدها ضد عائلة الحوالي؛ حيث رُفعت عقوبة عبد الرحمن من سبع سنوات إلى 17 عامًا، وزِيدت عقوبة شقيقه عبد الله من ست سنوات إلى 16 عامًا، كما شملت الحملة عمّهم سعد الله الحوالي، الذي تم رفع حكمه من أربع سنوات إلى 14 عامًا.
إن استمرار اعتقال عبد الرحمن الحوالي، والتنكيل المنهجي بأسرته، يُبرزان سياسة القمع الجماعي التي يتّبعها النظام السعودي بحق الأصوات المستقلة، دون أي اعتبار للمواثيق الدولية أو المبادئ الإنسانية.
وإزاء ذلك، تجدد منظمة “معاً من أجل العدالة” إدانتها لهذه الانتهاكات، وتدعو المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته، واتخاذ خطوات فاعلة لوقف هذا القمع الممنهج، وضمان محاسبة المتورطين فيه.
وتُطالب المنظمة الجهات الأممية، وعلى رأسها فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي، بالتحرك العاجل لضمان الإفراج عن عبد الرحمن الحوالي وسائر أفراد أسرته، وضمان حصولهم على حقوقهم القانونية والإنسانية الكاملة، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة، والرعاية الصحية، ولمّ شملهم بأطفالهم وأسرهم.
قضية عبد الرحمن الحوالي لم تعد مجرد مأساة شخصية، بل باتت مرآة تعكس واقعًا قمعيًا أوسع في السعودية، حيث يُواجه كل من يجرؤ على التعبير عن رأيه حملات انتقام شرسة، ويدفع الأبرياء من أهله وأحبائه ثمن هذا الموقف بكل قسوة.



