عبد الله العودة: على بايدن الالتزام بوعوده تجاه حقوق الإنسان
ترجمة عن مقال للباحث السعودي عبد الله العودة في واشنطن البوست
طوال حملة الانتخابية عام 2020، كان جو بايدن -المرشح آنذاك- يدين بشدة تقارب الرئيس دونالد ترامب مع القادة الاستبداديين في المنطقة، بل أعلن ذات مرة في المؤتمر الوطني الديمقراطي أن “أيام التقرب من الطغاة قد ولّت”.
كان بايدن واضحاً وحازماً فيما يتعلق بولي العهد السعودي محمد بن سلمان تحديداً، حيث قالها صراحة “لن نبيع المزيد من الأسلحة للنظام السعودي”، بل وتعهد بجعلهم “منبوذين” بسبب “جريمة مقتل جمال خاشقجي – الصحفي في صحيفة واشنطن بوست”، الذي خلصت التقارير والتحقيقات أنها نُفذت بناء على أوامر شخصية من محمد بن سلمان، بالإضافة إلى سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
لطالما تفاخر بايدن بقوله: “أعطيك كلمتي بصفتي بايدن”، لكن الآن، وبعد تأكيد زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية ولقائه وجهاً لوجه بمحمد بن سلمان الشهر المقبل، نتساءل عما إذا كانت كلمة بايدن تستحق أن تُعتبر وعداً قاطعاً!
إن مكافأة ولي العهد القاتل بالدعم العسكري الأمريكي المستمر، كما فعلت الإدارة في أكتوبر/تشرين الأول، وزيارته الآن يمثل تحولًا مذهلاً: خيانة شخصية للعديد من ضحايا محمد بن سلمان، وترخيصاً للديكتاتوريين في كل مكان لابتزاز الولايات المتحدة.
والدي، سلمان العودة، باحث إصلاحي في الشريعة الإسلامية، مسجون من قبل السلطات السعودية منذ عام 2017 ويواجه حكماً محتملاً بالإعدام… جريمته في نظرهم: دعوة -غير مؤذية- للسلام على موقع تويتر، حيث تمنى التصالح مع قطر بعد الحصار الذي فرضته السعودية وحلفائها في المنطقة حصاراً على قطر عام 2017.
بعد عام من سجنه، وجهت الحكومة السعودية 37 تهمة له، متهمة إياه بتحريض الجمهور ضد النظام.. لم تتح لأبي فرصة للدفاع عن نفسه خلال جلسات المحاكمة، كما أن ظروف السجن الذي يجبر على التعايش معها – بما في ذلك الحبس الانفرادي والحرمان من العلاج الطبي – تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان بشكل واضح وصريح.
بالإضافة إلى ذلك، منعت السلطات السعودية 19 فرداً من عائلتي من مغادرة المملكة – وحاصرتهم أكثر بالمراقبة والتجسس والتهديدات – ويستمر المسؤولون في مضايقتي حتى هنا في الولايات المتحدة- التي أقيم بها منذ عام 2009- وحتى يومنا هذا، أتلقى تهديدات بالقتل بشكل منتظم.
للأسف، قصة عائلتي ليست الوحيدة من نوعها: منذ أن تولى ولي العهد السلطة الفعلية في عام 2017، اتسم حكمه بالوحشية، بما في ذلك الانتقام العشوائي من المنافسين المحتملين داخل عائلته، ومن المواطنين العاديين الذين يحملون توجهات مختلفة، ينفذ ضدهم سياسات عقاب جماعي، واعتقال وتعذيب، فضلاً عن الإعدامات الجماعية للسجناء دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
بالنظر إلى إدانات بايدن المتكررة للنظام السعودي، ووعد إدارته بتركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة حول حقوق الإنسان، فإن السعي إلى “إعادة ضبط” العلاقات مع محمد بن سلمان هو نفاق واضح.
سعى مسؤول في الإدارة الأمريكية مؤخراً إلى صرف الانتباه عن الانتقادات المتكررة لموقف بايدن من السعودية بالإشارة إلى حقيقة أن خاشقجي قُتل أثناء إدارة ترامب، وأن بايدن قد فرض بالفعل عقوبات على المسؤولين السعوديين المتورطين في مقتل خاشقجي. لكن كما لفت المدافعون عن حقوق الإنسان الأسبوع الماضي أثناء تغيير اسم الشارع المقابل للسفارة السعودية في واشنطن إلى “طريق جمال خاشقجي”، لم يحاسب بايدن محمد بن سلمان بشكل مباشر على الرغم من تقييم المخابرات الأمريكية بأنه أمر -شخصياًـ بقتل خاشقجي وتقطيع أوصاله.
إن تجاهل الجرائم الماضية لا يدل فقط على الإفلاس الأخلاقي، ولكنه يتجاهل أيضاً حقيقة أن عهد الإرهاب لمحمد بن سلمان مستمر: ماذا عن مئات السعوديين الذين يواجهون حتى يومنا هذا الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وحظر السفر والتعذيب؟ ماذا عن المواطنين الأمريكيين الذين وقعوا في قبضة محمد بن سلمان بسبب معارضتهم له؟ إن احتضان محمد بن سلمان ومنحه تنازلات من شأنه أن يرسخ إحساس لدى ولي العهد بضمانه الإفلات -الدائم- من العقاب، ويرسل إشارة لا لبس فيها إلى أن الولايات المتحدة لن تدعم تصريحاتها بالأفعال… مع استمرار محمد بن سلمان في الحكم بقبضة من حديد، فإن بايدن وغيره من قادة العالم المستعدين لتبييض جرائم نظامه سيكونون متواطئين في تلك الجرائم والانتهاكات.
حين تفاخر تفاخر ترامب بأنه “أنقذ مؤخرة محمد بن سلمان” من الانتقادات التي تلت مقتل خاشقجي، كان هذا بمثابة وضع ملح على جراح ضحايا ولي العهد السعودي، واليوم، لا يوجد مؤشر على أن هذه الجراح يمكن أن تُشفى طالما أن بايدن في طريقه للاستسلام لهذا القاتل والجلاد والمستبد.
لا يزال أمام بايدن متسع من الوقت لإعادة النظر في موقفه الحالي والالتزام بكلمته… لا أتوقع أن يقاتل بايدن من أجل الدفاع عن المثل الديموقراطية في السعودية وأن يقدم حياته لأجل هذا الهدف كما فعل والدي، لكن، على الأقل، يمكن لبايدن أن يقف إلى جانب المدافعين، وإلا فإنه سيجعل ضحايا محمد بن سلمان هم المنبوذون.