
للأسف، لم يكن مفاجئًا لأحد ما حدث صباح اليوم 18 مارس 2025 في غزة. استئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية الوحشية ضد القطاع المحاصر كان أمرًا متوقعًا للجميع، إذ لطالما دلّت الممارسات الإسرائيلية السابقة والتصريحات الرسمية المتكررة، على أن الاحتلال لن يلتزم بأي اتفاق من شأنه أن يخفف معاناة سكان القطاع أو يوقف نزيف الدماء.
نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل بزوغ فجر الثلاثاء مجزرة مروعة جديدة، بعدوانية شديدة واستهداف متعمد للمناطق السكنية المكتظة، راح ضحيتها أكثر من 412 شهيدًا، وأصيب ما يزيد على 500 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن أعداد كبيرة لا تزال مفقودة تحت أنقاض المنازل التي دمرتها الغارات. لم تكتفِ إسرائيل بارتكاب هذه الجريمة فحسب، بل اختارت توقيتًا غادرًا أثناء نوم العائلات واستعدادها للسحور في شهر رمضان، لضمان إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
هذا التصعيد الدموي لم يأتِ بشكل مفاجئ، فقد سبقته سلسلة من الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال على مدار الأسابيع الماضية، أبرزها إغلاق كافة المعابر بشكل نهائي في 2 مارس 2025، ومنع إدخال الأدوية والمساعدات الإنسانية والغذاء والوقود إلى القطاع، مما تسبب في كارثة إنسانية حقيقية، تضاعفت مع انقطاع الكهرباء وتوقف محطات المياه عن العمل. كل ذلك يأتي ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة تسعى لخنق القطاع وإجبار سكانه على الخضوع أو الموت البطيء.
لكن الأكثر إيلامًا من هذا كله، هو الصمت الدولي المخزي، والتخاذل العربي الرسمي المستمر، بل ودور بعض الأنظمة العربية المطبعة التي لم تكتفِ بالصمت، وإنما شاركت في منح إسرائيل شرعية زائفة تشجعها على مواصلة القتل والإبادة، فضلًا عن دور النظام المصري الذي سمح لإسرائيل بالتحكم الكامل في معبر رفح، مما ساهم بشكل مباشر في تفاقم معاناة السكان وإغلاق آخر نافذة لهم على العالم.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل الدور الخطير الذي لعبه النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان في تشجيع إسرائيل على استئناف عدوانها الدموي ضد غزة، إذ إن الدعم السياسي والمالي المفتوح الذي قدمته السعودية للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، والذي تجاوز 600 مليار من الدولارات من الصفقات والتعاقدات العسكرية، عزّز الموقف الأمريكي المنحاز تمامًا لإسرائيل. لقد منح ترامب منذ اليوم الأول الضوء الأخضر لإسرائيل، متحدثًا بعنجهية واضحة عن حقها المطلق في القتل والتدمير، ومتوعدًا الفلسطينيين بمزيد من “الجحيم”، في ظل صمت سعودي مطبق وتواطؤ رسمي واضح.
لقد حان الوقت لكي يتحرك المجتمع الدولي بشكل جدي، بعيدًا عن بيانات الإدانة التي لم تعد تكفي لوصف هذه الجرائم الوحشية. العالم مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بفرض عقوبات حقيقية على إسرائيل ومحاسبة قادتها في المحكمة الجنائية الدولية، ووقف الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي تحصل عليه من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يتحملون جانبًا كبيرًا من المسؤولية عن هذه الجرائم.
كما ندعو الدول العربية والإسلامية إلى إنهاء كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال، ورفع الحصار فورًا عن غزة، والضغط على النظام المصري لفتح معبر رفح بصورة دائمة، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية للسكان الذين يعيشون في ظل ظروف مأساوية، أقل ما يمكن وصفها به هو أنها جريمة ضد الإنسانية.
العدالة اليوم في اختبار حقيقي، وصمت العالم لن ينتج عنه سوى المزيد من الضحايا، ومزيد من الدماء الفلسطينية البريئة التي ستبقى وصمة عار في جبين الإنسانية إن لم تُتخذ خطوات عاجلة توقف هذه المجزرة المستمرة.