ملفّ حقوق الإنسان في السعودية.. اختبار لبايدن وصَغَارٌ لبن سلمان

بقلم ـ يافا الزهراني ـ باحثة حقوقية
يستعد البيت الأبيض لاستقبال ساكن جديد يختلف كثيرا عن ذلك الذي سيغادره، الديمقراطي جو بايدن الذي فاز على الجمهوري دونالد ترامب توعّد خلال حملته الانتخابية بمراجعة سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والتي اعتبرها “مدمّرة وكارثية”، تحت إدارة ترامب، سواء كانت سياسات داخلية أم خارجيّة.
وها هي الدكتاتوريات العربية اليوم، وعلى رأسها المملكة العربية السعوديّة، تترقّب في صمت وريبة، ناظرة من طرف خفيّ، متطلّعة إلى استرضاء الرّئيس الجديد.
لايخفى على العاقل اليوم أنّ النظام السعودي، الذي حظي بضوء أخضر لا مثيل له في عهد ترامب، متوجّس من طبيعة العلاقات التي ستجمع المملكة وإدارة بايدن خاصة بعد أنّ توعّد الأخير في كثير من المحافل بفتح ملفّات خطيرة تورّط وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان وزبانيته، وعلى رأسها “انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة”، و”مقتل الصحفي جمال خاشقجي”، و”حرب اليمن”.
أسلوبٌ جديد قد يدشّنه بايدن في التعامل مع النظام السعودي، وخطواتٌ لن تكون هيّنة على الذي تستّر ترامب على جرائمه طيلة أربع سنوات. بايدن توعّد بشكل متكرر بمعاقبة وليّ العهد السعودي، مؤكّدا تورّطه في جريمة اغتيال خاشقجي، ومشددا أنّ إدارته ستوقف الدعم الأمريكي للتدخل العسكري السعودي في اليمن، وأنّ أمريكا لن تضَع قِيمَها موضع الشك والريبة من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط، بل ستعمل على محاسبة المسؤولين عن ارتكاب أبشع الجرائم في الداخل السعودي والخارج، فضلا عن جعل السعودية منبوذة دوليّا.
ولعلّ وصول بايدن لسدّة الحكم قد يشكّل فرصة للمعارضين السعوديين في معركتهم لردع الممارسات القمعية في المملكة والدفاع عن حقوق الإنسان هناك وخلق تجديد يقطع مع دكتاتوريّة بن سلمان التي تكمم أفواه المطالبين بالتغيير، وتسجن الدعاة للسلام، وتضيّق على معتقلي الرأي، وتمنع المرضى منهم من العلاج، وتتحرّش بالمعتقلات، وتصعق بالكهرباء صحفيين وإعلاميين، وتخفي قسريا ناشطين حقوقيين. فوز بايدن سبّب صدمة كبيرة لعدد من القادة المستبدين في أنحاء العالم وعلى رأسهم وليّ العهد السعودي الذي لن يتمكّن بعد الآن من الوصول بطريقة مباشرة إلى البيت الأبيض معتمدا على العلاقات الشخصية المميزة التي تجمعه بجاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الدبلوماسي.
وهاهي السعودية تحاول ترتيب أوضاعها الحقوقية تحسّبا لمعارك مرتقبة. ولعلّ تسريعها لمحاكمات معتقلي الرأي أبرز دليل على ذلك سلسة من الأحكام الهزلية والانتقامية سارعت محاكم مسيّسة لإصدارها في الأيام الأخيرة من 2020 مسابقة بذلك وصول بايدن إلى الحكم.
وفي سياق متصل، كشفت وسائل إعلام أمريكية بارزة، سعي إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لتوفير الحصانة الدبلوماسية لوليّ العهد السعودي من المحاكمة القضائية في الولايات المتحدة على خلفية القضايا المرفوعة ضده، وأهمّها الدعوى القضائية التي رفعها ضابط المخابرات السعودي السابق سعد الجبري والتي يتهم فيها بن سلمان بإرسال فريق لاغتياله في كندا.
إنّ منح الحصانة لبن سلمان يُعدّ بمثابة إصدار رخصة له بالقتل وتصفية معارضيه في الداخل والخارج، وهو صكٌّ على بياض لمزيد من الجرائم التي قد تفوق في وحشيّتها “جريمة المنشار”.
لقد بات من الضروريّ اليوم مطالبة المجتمع الدولي بالكفّ عن التّعامي عن الجرائم البشعة التي يرتكبها النّظام السعودي، والتّغاضي عن الممارسات القمعيّة التي ينتهجها والتي لا تستهدف معارضيه فقط بل تتوسّع لتطال أهاليهم وذويهم.
كما أنّه من الأهمية بمكان، ونحن نستقبل عاما جديدا، تسليط الضّوء على ملفّ حقوق الإنسان في السعودية، حيث أنّ سنوات من القمع وانعدام الرقابة الدوليّة والإفلات من العقاب قد تعصف بصورة متصاعدة بحياة عدد لا يحصى من المعتقلين.
2 تعليقات