تعرب منظمة معًا من أجل العدالة عن رفضها القاطع للإجراءات الانتقامية التي تواصل السلطات السعودية ممارستها بحق إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب، والذي أُفرج عنه بعد أكثر من سبع سنوات من الاعتقال التعسفي، ليجد نفسه أسيرًا في منزله تحت قيود الإقامة الجبرية وأساور التعقب الإلكترونية.
إن ما جرى لا يُعد إفراجًا حقيقيًا، بل هو مجرد انتقال من زنزانة السجن إلى “سجن إلكتروني” داخل جدران منزله. لا فرق جوهري بين القضبان الحديدية والأساور الرقمية التي تُقيّد حريته وتراقب تحركاته، وكلاهما يمثلان استمرارًا لنهج القمع والانتقام. فالسلطات السعودية لم تُنهِ معاناته، بل بدّلت شكلها فقط في محاولة لتجميل صورتها أمام الرأي العام.
اعتُقل الشيخ صالح آل طالب في أغسطس/آب 2018 عقب خطبة ألقاها من على منبر الحرم المكي، حذّر فيها من الانحراف عن المبادئ الإسلامية، وانتقد بشكل صريح موجة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والانفتاح المفرط الذي يهدد هوية المجتمع وقيمه. ومنذ اللحظة الأولى، تعاملت السلطات السعودية مع كلماته باعتبارها تحديًا مباشرًا لسياساتها الجديدة، فتم اعتقاله تعسفيًا دون سند قانوني، وإخفاؤه لفترات طويلة عن عائلته، وحرمانه من التواصل معهم أو معرفة مكان احتجازه.
وخلال سنوات اعتقاله، لم يحظَ بأي محاكمة عادلة، بل جرت جلسات محاكمته في سرية تامة، دون حضور محامٍ أو تمكينه من الدفاع عن نفسه. في البداية صدر حكم ببراءته لغياب الأدلة، لكن هذا الحكم أُلغي بضغط سياسي مباشر، لتتم إعادة محاكمته والحكم عليه بالسجن عشر سنوات في أغسطس/آب 2022، في محاكمة جائرة تفتقد أدنى معايير العدالة والشفافية. وقد عانى الشيخ طوال فترة سجنه من ظروف قاسية وإهمال طبي متعمد، إلى جانب التضييق المستمر عليه وعلى أسرته، في إطار سياسة انتقامية لا تستهدفه وحده، بل تهدف إلى بث الرعب في نفوس كل من يفكر في معارضة النظام أو فضح ممارساته.
تؤكد منظمتنا أن الإفراج المقيد ليس سوى انعكاس لسياسة منهجية تستهدف إسكات العلماء والدعاة وأصحاب المواقف المبدئية. وما يتعرض له الشيخ آل طالب اليوم يبرهن على أن النظام لا يقبل حتى بالإفراج الكامل عمّن قضوا سنوات في السجون ظلماً، بل يواصل إذلالهم عبر فرض قيود مهينة ومنافية لأبسط حقوق الإنسان.
وتشدد معًا من أجل العدالة على أن الحرية لا تُجزأ، وأن أي إفراج لا يكون كاملًا وغير مشروط لا يمكن اعتباره خطوة إيجابية. وعليه فإننا:
نطالب بالرفع الفوري وغير المشروط لجميع القيود المفروضة على الشيخ صالح آل طالب، وتمكينه من ممارسة حياته بشكل طبيعي، دون ملاحقة أو مراقبة، ونؤكد أن القضية لا تتعلق بفرد واحد، بل هي جزء من نهج شامل لإسكات كل صوت ناقد داخل المملكة.
كما نُجدّد دعوتنا للمجتمع الدولي، والمنظمات الأممية، والهيئات الحقوقية للضغط الجاد على السلطات السعودية من أجل إنهاء سياسة الاعتقال التعسفي والإفراج الكامل عن جميع معتقلي الرأي.
إن ما حدث ليس “إفراجًا” بقدر ما هو شكل جديد من الاعتقال، يفضح محاولات النظام المستمرة للهروب من المساءلة، ويثبت أن القمع في السعودية لا يزال مستمرًا بأدوات متعددة.