Site icon Together For Justice

المعتقلون الفلسطينيون في السعودية: مصير مجهول ومعاناة منسية

تواصل السلطات السعودية احتجاز عدد من الفلسطينيين في ظروف مأساوية لا تزال تفاصيلها مجهولة للعالم، حيث تفرض السلطات تكتمًا شديدًا على أوضاعهم، وترفض الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بمصيرهم، فيما تزداد الإجراءات القمعية المفروضة عليهم يومًا بعد يوم، لتجعلهم في حكم المختفين قسرًا، ولكن في إطار قانوني مصطنع يهدف إلى منح الغطاء الرسمي لانتهاكات جسيمة ترتكب بحقهم. وعلى الرغم من الإفراج عن بعض المعتقلين خلال العام الماضي، فإن السلطات السعودية امتنعت عن نشر أي تفاصيل بشأن أسماء المفرج عنهم، فيما لا يزال مصير الباقين مجهولًا، في ظل تعنت ممنهج في السماح لهم بالتواصل مع ذويهم أو معرفة مصيرهم، الأمر الذي يزيد من حجم القلق بشأن أوضاعهم الصحية والنفسية.

بدأت المعاناة قبل ست سنوات في فبراير/شباط 2019، حين شنت السلطات السعودية حملة شرسة ضد عشرات الفلسطينيين المقيمين في المملكة، وبعد أشهر من الاختفاء القسري، خضعوا لمحاكمات افتقرت إلى أدنى معايير العدالة، حيث جرت جلسات المحاكمة في سرية تامة، مُنعوا خلالها من حق الدفاع عن أنفسهم بطريقة قانونية سليمة، بالإضافة إلى حرمانهم من الجلوس على انفراد مع محاميهم أو تقديم دفوعهم بشكل مستقل أمام المحكمة، وهو ما جعل الإجراءات القانونية في هذه القضايا مجرد غطاء لمنظومة قمعية لا تأبه بمبادئ المحاكمة العادلة. ومع ذلك، لم تكتف السلطات بهذه التجاوزات، بل فرضت قيودًا مشددة على الزيارات العائلية، مما جعل اللقاءات مع الأسر أمرًا نادر الحدوث، وإن تمت فهي تخضع لرقابة صارمة تحد من حرية الحديث عن معاناتهم داخل السجون.

لا تقتصر المعاناة داخل السجون السعودية على الاحتجاز التعسفي فحسب، بل تمتد إلى سوء المعاملة والإهمال الطبي الذي يهدد حياة المعتقلين، كما هو الحال مع الصحفي عبد الرحمن فرحانة، الذي يقضي حكمًا جائرًا بالسجن لمدة 19 عامًا، تم تخفيفه لاحقًا إلى 9 سنوات ونصف، في محاكمة افتقدت لأبسط ضمانات العدالة. اعتُقل فرحانة تعسفيًا عام 2019، وظل رهن الإخفاء القسري لأشهر، قبل أن يُزج به في زنزانة معزولة وسط ظروف قاسية، دون السماح له بالتواصل مع محامٍ أو الحصول على الرعاية الطبية المناسبة رغم تقدمه في العمر، حيث تجاوز السادسة والستين. ومع ذلك، لم تكتف السلطات بتجاهل وضعه الصحي المتدهور، بل أبقته في بيئة احتجاز غير إنسانية، حُرم فيها من العلاج اللازم، ما أدى إلى تفاقم مشاكله الصحية، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية التي تضمن حقوق السجناء، خصوصًا كبار السن والمرضى.

الظروف الوحشية التي يواجهها المعتقلون الفلسطينيون لم تستثن حتى كبار السن والمرضى، وأبرزهم الدكتور محمد الخضري، الذي تجاوز الثمانين عامًا، وكان يعاني من أمراض خطيرة خلال فترة احتجازه. لم يشفع له عمره المتقدم ولا وضعه الصحي أمام القمع الممنهج الذي تعرض له، حيث ظل محتجزًا لسنوات في بيئة غير ملائمة، حُرم فيها من الرعاية الطبية الكافية، ما أدى إلى تدهور حالته بشكل خطير. ومع ذلك، لم يكن الإفراج عنه في أكتوبر/تشرين الأول 2022 نتيجة مراجعة قضائية أو إنصاف قانوني، بل جاء بعد ضغوط مكثفة من جهات حقوقية ودولية، ما يكشف أن قرارات الإفراج عن المعتقلين في السعودية لا تستند إلى مبادئ العدالة أو احترام حقوق الإنسان، بل تخضع لحسابات سياسية بحتة. وهذا الواقع يجعل مصير من لا يزالون قابعين في السجون أكثر غموضًا وخطورة، في ظل تعنت السلطات ورفضها الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بأوضاعهم، ما يزيد من المخاوف بشأن تعرضهم لإهمال مماثل، قد يودي بحياتهم في أي لحظة.

إن استمرار احتجاز هؤلاء المعتقلين الفلسطينيين في السعودية في ظروف غامضة، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، يرقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة للقوانين الدولية التي تجرم الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي. ومع ذلك، تصر السلطات السعودية على المضي قدمًا في ممارساتها القمعية، متجاهلة جميع المناشدات الحقوقية والدولية الداعية إلى إنهاء هذا الظلم والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين دون قيد أو شرط. وفي ظل هذا التعنت المستمر، تتحمل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن سلامة هؤلاء المعتقلين وصحتهم، ولا يمكن لأي مبررات سياسية أو أمنية أن تبرر استمرار هذه الانتهاكات الجسيمة التي تضرب بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الإنسانية.

ونؤكد أنه في ظل الدعاية المكثفة التي يروج لها النظام السعودي عن “الإصلاحات” والتقدم عبر الفعاليات الترفيهية والحفلات والمهرجانات، لا ينبغي للعالم أن يغض الطرف عن الجانب المظلم لهذا الواقع، حيث لا تزال أرواح بشرية تقبع في السجون، تعاني الإهمال والقمع والتعذيب، في ظل تعتيم متعمد على مصيرهم. فليست العروض البراقة والاحتفالات الفاخرة مقياسًا للتقدم الحقيقي، ما دام هناك معتقلون يتجرعون الظلم في زنازين مظلمة، محرومين من أدنى حقوقهم الإنسانية. إن الانشغال بالصورة التي يسعى النظام لتلميعها لا يجب أن يصرف الأنظار عن المعاناة الحقيقية لهؤلاء الأسرى، الذين لا يزالون يدفعون ثمنًا باهظًا لصمت العالم وتقاعسه. يجب أن يظل هؤلاء المعتقلون حاضرِون في الضمير الإنساني، وألا يُتركوا فريسة للنسيان، فمصيرهم ليس مجرد رقم في تقارير حقوقية، بل هو جرح مفتوح في سجل الانتهاكات الذي لن يُغلق إلا بتحقيق العدالة وإطلاق سراحهم دون قيود أو مماطلة.

Exit mobile version