Site icon Together For Justice

النظام السعودي يُكثّف الإعدامات ويستغل القضاء لتصفية المعارضين وإسكات الأصوات

تُواصل السلطات السعودية تنفيذ موجات متصاعدة من الإعدامات، في واحدة من أوسع حملات القتل القضائي منذ عقود، وسط مخاوف حقوقية من أن النظام يستخدم القضاء كأداة لتصفية المعارضين وترهيب المجتمع. منذ بداية عام 2025، أعدم النظام السعودي أكثر من 283 شخصًا بتهم تشمل الإرهاب وخيانة الوطن وغيرها من التهم، في حين شهد عام 2024 تنفيذ 345 حكمًا بالإعدام، بمعدل حالة كل 25 ساعة، وهو الأعلى منذ عقود.

من بين من أُعدموا هذا العام مدونون ونشطاء ومعارضون ووافدون أجانب، بعضهم بتهم لا تستند إلى أي أساس قانوني واضح. في يونيو، أعدمت السلطات المدون تركي الجاسر، المعروف بانتقاده السلمي للحكومة. وفي أغسطس، نفذت حكم الإعدام بحق جلال اللباد، الذي كان قاصرًا حين وُجهت إليه الاتهامات لمشاركته في احتجاجات عام 2011 المطالِبة بإنهاء التمييز ضد الأقلية الشيعية. أما في وقت سابق من العام.

القضية التي أثارت استغرابًا واسعًا كانت إعدام عبد الله الشمري، الدبلوماسي والمستشار السابق في وزارة الثقافة والإعلام، الذي خدم لسنوات داخل مؤسسات الدولة وارتبط بعلاقات وثيقة بمسؤولين رفيعي المستوى، بينهم ولي العهد محمد بن سلمان نفسه. نُفذ فيه الحكم في فبراير 2024 إلى جانب ستة آخرين، بتهم “الإرهاب والخيانة”، رغم عدم وجود أي سجل سابق له في المعارضة، ولم يُعلن عن ذلك إلى بعد أشهر طويلة من إعدامه.

تحليل القضايا الأخيرة يكشف أن النظام السعودي يستخدم ما يُعرف بالأحكام التعزيرية لتبرير الإعدامات في قضايا لا يقضي الشرع الإسلامي بالإعدام فيها، وهي أحكام تقديرية تعتمد على تفسير القاضي، وتُصدر غالبًا من المحكمة الجزائية المتخصصة التي أنشئت في الأصل للنظر في قضايا الإرهاب. هذه المحكمة أصبحت اليوم أداة سياسية لتكميم الأفواه، حيث تُصدر أحكامًا قاسية بحق نشطاء وحقوقيين وصحفيين، تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”. منظمات دولية، بينها العفو الدولية، وصفت هذه الممارسات بأنها محاولة لـ “إضفاء شرعية زائفة على استخدام قانون مكافحة الإرهاب في قمع المعارضين”.

المنظمات الحقوقية وثّقت كذلك استخدام أحكام الإعدام ضد قاصرين، رغم إعلان السلطات في عام 2023 أنها ألغت تطبيق العقوبة في الجرائم التعزيرية بحق من تقل أعمارهم عن 18 عامًا. مع ذلك، ما يزال ستة مواطنين سعوديين – خمسة منهم من الأقلية الشيعية – يواجهون خطر الإعدام، أبرزهم عبد الله الدرازي، الذي ثبّتت المحكمة العليا حكم إعدامه رغم ارتكابه التهم المزعومة حين كان قاصرًا.

تشير بيانات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن 43% من ضحايا الإعدامات السياسية في عهد الملك سلمان هم من الطائفة الشيعية، رغم أنهم لا يشكلون أكثر من 15% من السكان. هذا النمط يوضح الطبيعة الطائفية في تطبيق العدالة بالسعودية، حيث تُستخدم تهم الإرهاب والخيانة لتصفية المعارضين والناشطين الشيعة والمدافعين عن حقوق الإنسان.

ولا يقتصر الاستهداف على المواطنين السعوديين؛ فالأجانب أيضًا يواجهون أحكامًا بالإعدام بوتيرة متصاعدة، خاصة في قضايا المخدرات، رغم تعليق الإعدامات في هذه القضايا لمدة 33 شهرًا قبل أن يُرفع الحظر في نوفمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، أعدمت السعودية أكثر من 262 شخصًا بتهم تتعلق بالمخدرات، بينهم عمال وافدون من دول إفريقية وآسيوية محرومون من محاكمات عادلة أو تمثيل قانوني.

يرى خبراء حقوقيون أن النظام السعودي استبدل القتل خارج القانون الذي اتُّبع في مرحلة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، بالقتل “المقنن” عبر القضاء، لتوفير غطاء قانوني مزيف لجرائم التصفية. ويُعتقد أن ولي العهد محمد بن سلمان يستخدم القضاء، خاصة المحكمة الجزائية المتخصصة، لإضفاء مظهر قانوني على الإعدامات التي تستهدف المعارضين والنقاد وحتى بعض المقربين منه.

في الوقت الذي تُنفذ فيه هذه الإعدامات، تنفق السعودية مبالغ ضخمة على فعاليات ترفيهية ورياضية وفنية لتلميع صورتها أمام العالم. ففي سبتمبر الماضي، نظمت الرياض مهرجانًا ضخمًا للكوميديا شارك فيه فنانون أميركيون معروفون مقابل مبالغ تصل إلى 1.6 مليون دولار للحفل الواحد، ضمن سياسة “رؤية 2030” التي يستخدمها النظام لتبييض سمعته وتغطية انتهاكاته المستمرة.

هذه الوقائع مجتمعة تُظهر أن السعودية لم تتراجع عن الإعدام كما وعد ولي العهد عام 2022، بل صعّدت استخدامه كسلاح سياسي ضد المعارضين والنشطاء، ووسّعت نطاق تطبيقه ليشمل القاصرين والمواطنين الشيعة والعمال الأجانب.

تحمّل منظمة معًا من أجل العدالة النظام السعودي المسؤولية الكاملة عن التصاعد المروع في تنفيذ أحكام الإعدام، وتعتبره انتهاكًا صارخًا لحق الحياة المكفول في القانون الدولي، وتوظيفًا ممنهجًا للقضاء كأداة للقمع السياسي. تدعو المنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الإعدامات الجارية، وإرسال بعثات تحقيق مستقلة إلى السعودية لتقييم انتهاكات القضاء وتوثيق حالات الإعدام التعسفي. كما تطالب بفرض حظر دولي على تسليم أي متهمين إلى السلطات السعودية، بالنظر إلى غياب العدالة وضمانات المحاكمة العادلة. إن استمرار الصمت الدولي تجاه جرائم الإعدام الجماعي في السعودية يمثل تواطؤًا يهدد مصداقية النظام الدولي لحقوق الإنسان، ويفتح الباب لمزيد من القمع المنهجي ضد كل صوت حر داخل المملكة.

Exit mobile version