Site icon Together For Justice

سبع سنوات على اغتيال جمال خاشقجي: العالم يصفّق والقتلة ينعمون بالإفلات من العقاب

مرّت سبع سنوات على واحدة من أبشع الجرائم السياسية في القرن الحادي والعشرين، جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، جريمة هزّت العالم آنذاك ثمّ صمت عليه اليوم. خاشقجي، الذي كان يحلم بحياة حرة وبقلم يقول الحقيقة، دخل القنصلية للحصول على وثيقة زواج ولم يخرج منها حيًا. تحوّل جسده إلى أشلاء، وأُريد لذكراه أن تتحول إلى صمتٍ تحت ثقل المال والنفوذ.

بعد سبع سنوات، ما زالت آثار الجريمة حاضرة، لكن العالم تغيّر — لا لأن العدالة تحققت، بل لأن التواطؤ أصبح علنيًا. فبينما تواصل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان المطالبة بتحقيق دولي شفاف في مقتل خاشقجي، تغرق الرياض في صفقات رياضية وترفيهية وفنية بمليارات الدولارات، تستضيف مهرجانات الكوميديا والرياضات العالمية وحفلات الموسيقى، وتشتري الولاءات السياسية والإعلامية لتعيد رسم صورتها كـ”قوة ناعمة” بديلة عن سجلها الدموي.

في الوقت الذي يتجمّع فيه كبار الكوميديين الأمريكيين في الرياض ضمن مهرجانات ممولة من الحكومة السعودية، وفي الوقت الذي يسعى النظام عبر صناديقه السيادية لشراء شركات ألعاب إلكترونية عالمية وصفقات مع عائلات سياسية مثل ترامب وكوشنر، لا يزال صوت جمال خاشقجي يُطارد ضمائر الأحياء. فكل حفلة تُقام في ظل نظام ولي العهد محمد بن سلمان، وكل عقد دعائي يُبرم تحت شعارات “الانفتاح”، ما هو إلا محاولة لغسل الدم الذي لم يجف بعد من أيدي الجناة.

اغتيال خاشقجي لم يكن جريمة معزولة، بل كان إعلانًا رسميًا عن مرحلة جديدة من القمع الشامل. بعد اغتياله، توسعت حملات الاعتقال ضد المعارضين والنشطاء والصحفيين في الداخل والخارج، وتحوّلت سفارات المملكة إلى ساحات ترهيبٍ ومراقبة. النظام الذي قتل صحفيًا داخل قنصلية، لا يزال حتى اليوم يُخفي الأصوات الحرة في السجون، ويُحكم قبضته على الإعلام، ويشتري صمْت العالم بصفقات نفطٍ واستثماراتٍ وصفوفٍ من المهرجين الدوليين.

ما يزيد المشهد سوداوية هو تحوّل بعض المؤسسات التي كانت رموزًا لحرية الصحافة إلى أدوات تبرير وصمت. فحتى الصحيفة التي كان جمال يكتب فيها — “واشنطن بوست” — أغلقت زمالة خاشقجي التي أُنشئت بعد اغتياله لدعم الكتّاب المنفيين، وأوقفت الترجمة العربية لمقالاته التي كانت تصل صوته إلى أبناء لغته، في انعكاس صريح لتراجع الالتزام العالمي بحرية التعبير.

في المقابل، تستمر السلطات السعودية في تنفيذ الإعدامات بحق صحفيين ومعارضين آخرين مثل تركي الجاسر، الذي أُعدم العام الماضي بعد اتهامه بإدارة حساب ينتقد النظام. تلك الجرائم تُظهر أن خاشقجي لم يكن حالة استثنائية، بل أول فصل في مسلسل دموي مستمر يستهدف كل من يكتب أو يفكّر أو يرفض الخضوع.
جمال خاشقجي لم يطلب سوى حقه في الكتابة بحرية، ولم يتبنّ سوى مبدأ الإصلاح السلمي، لكن اغتياله تحوّل إلى مرآة تعكس نفاق العالم. فالذين ذرفوا الدموع في 2018 يصافحون القتلة في 2025، ويستثمرون في مملكتهم، ويغنون على مسارحهم، وكأن العدالة شأنٌ قابل للتفاوض.

إن منظمة معًا من أجل العدالة تؤكد أن الصمت العالمي أمام استمرار الإفلات من العقاب في جريمة خاشقجي يمثل وصمة في جبين الإنسانية، ودليلًا على أن المال السياسي والصفقات الاقتصادية باتت فوق القانون الدولي. وتدعو المنظمة إلى فتح تحقيق دولي جديد ومستقل في الجريمة، ومحاسبة جميع المتورطين، وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان، باعتباره المسؤول الأول سياسيًا وأمنيًا عن مقتل خاشقجي وعن تكميم كل صوت حر في المملكة.

كما تحث المنظمة الحكومات والمؤسسات الإعلامية والفنية على مقاطعة أي فعاليات أو مشاريع تموّلها السعودية إلى أن تظهر بوادر حقيقية للعدالة والمحاسبة. فالمشاركة في مهرجاناتها الترفيهية أو قبول تمويلها في ظل استمرار الانتهاكات هو تواطؤ صريح مع نظامٍ يغسل الدم بالضحك والجرائم بالأضواء.
لقد حاول النظام السعودي أن يدفن خاشقجي في الظل، لكنه فشل؛ لأن الفكرة التي قُتلت في إسطنبول لا تزال حيّة في كل صوت يرفض الخوف، وفي كل قلم يكتب من أجل الحقيقة. وجمال — حتى وهو غائب — لا يزال الشاهد الأبدي على أن الكلمة أقوى من المنشار.

Exit mobile version