Site icon Together For Justice

شركات وبنوك عالمية متورطة في بناء مشروعات الطاقة المتجددة بالسعودية على أنقاض حقوق العمال المهاجرين

كشف تقرير جديد صادر عن مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان أن مشروعات الطاقة المتجددة في السعودية، التي يتفاخر بها النظام كجزء من انتقاله نحو “المستقبل الأخضر”، تقوم في حقيقتها على استغلال منهجي للعمال المهاجرين من نيبال وبنغلاديش، في ظل ظروف قاسية تصل إلى حدود العبودية. التقرير الذي صدر في أكتوبر 2025 أوضح أن أكثر من نصف العمال الذين تمت مقابلتهم تعرضوا لما لا يقل عن خمسة مؤشرات صريحة للعمالة القسرية، في تسع مشروعات رئيسية للطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بينها مشروع نيوم. وقد وصَف أحد العمال تجربته بالقول: “عاملونا كما لو كنا آلات”، وهو تصريح يلخص حجم التحقير والتجريد من الإنسانية الذي يتعرض له هؤلاء العمال.

التقرير لم يكتف بكشف أوضاع العمال، بل فضح أيضًا تواطؤ الشركات العالمية والبنوك الكبرى التي تتباهى بسجلاتها الأخلاقية، بينما تموّل أو تشارك في هذه الانتهاكات. أربعون شركة تم ربطها بهذه المشروعات، من بينها أسماء بارزة مثل أرامكو، صندوق الاستثمارات العامة، نيوم، وإكوا باور، إلى جانب شركات مقاولات هندسية كبرى مثل لارسون وتوبرو و”باور تشاينا”، وهي الشركات التي وظفت العمال بشكل مباشر أو عبر مقاولين فرعيين في ظروف عمل مهينة. كما شملت القائمة شركات متعددة الجنسيات مثل هيتاشي إنرجي وتيسن كروب ودي نورا، التي ارتبطت بمكونات البنية التحتية لمشروعات نيوم، بينما تولت شركات أخرى بناء مرافق لتخزين الأمونيا أو إنشاء الأرصفة البحرية الخاصة بالتصدير.

الفضيحة الأكبر طالت القطاع المالي، حيث كشف التقرير عن قائمة من 25 بنكًا عالميًا وإقليميًا يمول هذه المشروعات رغم علمها بالمخاطر الحقوقية. من بين هذه البنوك ستاندرد تشارترد، إتش إس بي سي، جي بي مورغان، بي إن بي باريبا، كريدي أغريكول، إضافة إلى بنوك خليجية مثل بنك الرياض، البنك الأهلي السعودي، وبنوك إماراتية، وأوروبية وآسيوية. هذه المؤسسات المالية اختارت أن تغض الطرف عن ظروف العمل الاستعبادية لتضمن حصتها من الأرباح الطائلة التي يدرها “التحول الأخضر” السعودي المزعوم.

وبينما اكتفت 15 شركة فقط بالرد على المركز قبل نشر التقرير، جاءت معظم الردود في صيغة إنكار أو تبرير شكلي، دون أي التزام حقيقي بالتحقيق في الانتهاكات أو تعويض المتضررين. هذا يثبت أن الحديث عن “المسؤولية الاجتماعية للشركات” ليس سوى شعارات فارغة، بينما تستمر الانتهاكات على الأرض بلا توقف. وفي ظل منع النقابات العمالية وتجريم الاحتجاجات داخل السعودية، يبقى العمال المهاجرون بلا وسيلة للدفاع عن أنفسهم أو المطالبة بحقوقهم.

ما تكشفه هذه الوقائع هو أن السعودية لا تسعى إلى بناء مستقبل أخضر، بل إلى تلميع صورتها أمام العالم على حساب أفقر العمال وأكثرهم ضعفًا. النظام يوظف مشروعات الطاقة المتجددة كسلاح جديد ضمن دعايته الدولية، تمامًا كما فعل مع “رؤية 2030” وصفقات الترفيه والرياضة. الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2034 تُستخدم هي الأخرى كمنصة لتسويق “الاستدامة”، بينما يُدفن العمال في الصحراء بلا حقوق أو كرامة. إنها سياسة متكاملة من التلميع الخارجي والقمع الداخلي، يكشفها هذا التقرير بوضوح.

إن استمرار تواطؤ الشركات متعددة الجنسيات والبنوك الدولية مع النظام السعودي لا يبرئها من المسؤولية، بل يجعلها شريكًا مباشرًا في جرائم الاستغلال والانتهاكات الممنهجة. وهذا يطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمكن للعالم أن يقبل بدولة تدّعي قيادة التحول في مجال الطاقة النظيفة بينما تبني هذا التحول على نظام عبودية حديثة؟

معًا من أجل العدالة تؤكد أن ما كشفه التقرير ليس تجاوزات فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة يمارسها النظام السعودي بغطاء من شركات وبنوك عالمية. المنظمة تطالب بفتح تحقيقات دولية عاجلة في الانتهاكات التي تعرض لها العمال في مشروعات الطاقة المتجددة، وبإلزام الشركات والبنوك المتورطة بتقديم تعويضات عادلة للعمال وإصلاح أوضاعهم فورًا. كما تجدد المنظمة دعوتها إلى إلغاء نظام الكفالة الذي يشرعن العبودية الحديثة، وإقرار حقوق أساسية للعمال تشمل الأجور العادلة وتأسيس نقابات مستقلة. إن صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الانتهاكات يرقى إلى تواطؤ خطير، ولا بد من تحرك فعلي يضع حدًا لاستغلال النظام السعودي للإنسان تحت لافتة “المستقبل الأخضر”.

Exit mobile version