صورة كريستيانو رونالدو إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في احتفاليات يوم التأسيس لم تكن مجرد صورة عابرة يتشاركها النجم البرتغالي مع متابعيه، بل كانت جزءًا من حملة التلميع الضخمة التي تنتهجها المملكة لإعادة تشكيل صورتها أمام العالم. هذه الصورة ليست استثناء، بل تأتي ضمن سلسلة من الاستراتيجيات التي تعتمدها السعودية لاستغلال النجوم العالميين، والأحداث الرياضية الكبرى، والمهرجانات الفنية، لجذب الانتباه إلى بريقها الاقتصادي والانفتاحي، بينما يبقى الواقع السياسي والحقوقي في البلاد بعيدًا عن الأضواء، يرزح تحت القمع والتضييق والخوف.
لقد أصبح الغسيل الرياضي في السعودية نهجًا منهجيًا، حيث لم يقتصر الأمر على استقطاب نجوم مثل رونالدو، بل امتد إلى رعاية البطولات الكبرى، واستضافة الفعاليات الضخمة، وضخ مليارات الدولارات في مشاريع رياضية وإعلامية تهدف إلى خلق انطباع بأن المملكة تجاوزت الماضي وأصبحت دولة حديثة، منفتحة، متطورة، تنبض بالحياة. فبعد أن تمكنت المملكة من استقطاب أسماء لامعة في عالم الرياضة، وبعد أن حصلت على شرف تنظيم كأس العالم 2034، وبعد أن أصبحت وجهة رئيسية لكبار المؤثرين والفنانين، يظن النظام السعودي أنه قد نجح في بناء سردية جديدة تعكس صورة مشرقة لا تشوبها شائبة، لكن الحقيقة تظل مغايرة للواقع تمامًا.
رغم كل هذه الاستثمارات الضخمة، لا يزال الوضع الحقوقي في السعودية على حاله، بل يزداد سوءًا مع مرور الوقت. فلا تزال سجون المملكة مكتظة بالمعارضين، ولا تزال المحاكم تصدر أحكامًا قاسية على خلفية التعبير عن الرأي، ولا تزال القيود مفروضة على الصحافة، والنشطاء، وكل من يحاول أن يطرح تساؤلات حول سياسات الدولة. فكيف يمكن الحديث عن التقدم والانفتاح بينما عشرات المواطنين يُحكم عليهم بالسجن لمجرد كتابة تغريدة؟ وكيف يمكن تصديق خطاب الإصلاح في ظل استمرار حملات الاعتقال، والمراقبة الصارمة، والقمع الممنهج لكل من يخرج عن الخطوط الحمراء التي يضعها النظام؟
إن كل هذه المشاريع، وكل هذه الاحتفالات، وكل هذه الصور البراقة، ستظل مجرد قشرة هشة لا يمكن أن تخفي التناقض العميق بين الصورة التي تحاول السعودية تصديرها للعالم، والواقع القاتم الذي يعيشه المواطنون في الداخل. فما فائدة تنظيم كأس العالم، أو جلب أكبر الأسماء في عالم الرياضة، أو إقامة الحفلات الفاخرة، إن كان المواطن السعودي لا يزال يخشى أن يعبر عن رأيه بحرية؟ وما قيمة هذه “النهضة” إن كانت حقوق الإنسان لا تزال تنتهك يوميًا؟ وما جدوى كل هذا الاستثمار في التلميع إن كان النظام لا يزال يتعامل مع حرية التعبير باعتبارها تهديدًا وجوديًا يجب القضاء عليه؟
العالم لا يجب أن يقع في فخ هذه الدعاية، ولا ينبغي أن يسمح للرياضة والثقافة والفن بأن تتحول إلى أدوات لصرف الانتباه عن الانتهاكات المتواصلة التي يعاني منها السعوديون. فلا رونالدو، ولا كأس العالم، ولا العقود الرياضية الفلكية، يمكن أن تغسل العار الذي يلطخ سجل المملكة الحقوقي، ولا يمكن لأي حدث عالمي أن يكون بطاقة عبور تمنح النظام براءة من جرائمه. فالقمع لا يمكن تجميله، وانتهاكات حقوق الإنسان لا يمكن إخفاؤها خلف ملاعب كرة القدم، والاستبداد لن يصبح أكثر قبولًا لمجرد أن القمع بات يُمارس تحت أضواء الملاعب والمهرجانات بدلاً من أقبية السجون.
إن كان النظام السعودي جادًا في تقديم نفسه كدولة حديثة ومتقدمة فعلًا، فليبدأ من الأساس: باحترام كرامة المواطن، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف القمع الممنهج، وضمان حرية التعبير، والتوقف عن استخدام البطولات والمناسبات العالمية كأدوات لتبييض الانتهاكات. وإلا، فسيظل كل ما يفعله مجرد محاولة يائسة لتغطية الحقيقة، حقيقة أن السعودية، رغم كل المليارات التي تُنفق على صورتها، لا تزال واحدة من أكثر الدول انتهاكًا لحقوق الإنسان في العالم.