إصداراتتقارير

عوض القرني… أكاديمي ستيني يقضي ثماني سنوات في العزل الانفرادي لأنّه استخدم تويتر وواتساب للتعبير عن رأيه في السعودية

منذ عام 2017، تقبع شخصية بارزة مثل الشيخ الدكتور عوض القرني—الأكاديمي المتخصص في القانون والداعية المعروف—في قلب حملة القمع الأوسع التي شنتها السلطات السعودية ضد الأصوات المستقلة. اعتُقل الشيخ ضمن موجة استهدفت العلماء والمفكرين والكتّاب وأصحاب الرأي، في محاولة لاقتلاع أي مساحة للنقد، وتحويل المجتمع إلى فضاء خانق لا يُسمح فيه إلا بالصوت الواحد. وخلال ما يقارب ثماني سنوات من الاحتجاز، وُضع الشيخ في زنزانة انفرادية ضيقة محرومًا من حقوقه الأساسية، في ظروف لا تمت بصلة لأي معيار من معايير العدالة أو الكرامة الإنسانية.

وعلى الرغم من كل هذا القمع، فإن جوهر القضية التي يُحاسب عليها الشيخ لا يتجاوز نشاطًا رقميًا سلميًا: حساب على تويتر باسمه الحقيقي، تواصل عبر واتساب، مشاركة أفكار نقدية، ومقاطع مرئية تتصل بالشأن السياسي والديني، إضافة إلى امتلاكه حسابًا على تيليغرام. هذه الممارسات، التي تُعد جزءًا طبيعيًا من الحق في التعبير في أي دولة تحترم القانون، جرى تحويلها داخل السعودية إلى اتهامات خطيرة تُصاغ تحت لافتات مثل “تهديد الأمن القومي” و”التمرد على الدولة”، وصولًا إلى المطالبة بإعدامه بناء على استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي.

مثل هذه القوانين تكشف بجلاء حجم تسييس القضاء في المملكة، وكيف جرى تحويله إلى وسيلة للتأديب السياسي. وتفاصيل القضية تؤكد ذلك؛ إذ تشير شهادات أسرية وتقارير حقوقية—بما في ذلك تصريحات نجله ناصر القرني—إلى أن اعترافاته انتُزعت تحت الضغط والإكراه، في بيئة معروفة بممارسة التعذيب الجسدي والنفسي خلال التحقيق. وهو ما يفقد أي إجراءات قضائية ضده مشروعيتها، ويجعل الحديث عن “محاكمة” مجرد واجهة شكلية لا علاقة لها بالعدالة.

قضية عوض القرني ليست استثناءً، بل جزء من مشهد أوسع اتسعت فيه دائرة القمع لتشمل الآلاف من مستخدمي الإنترنت. خلال السنوات الماضية، جرى اعتقال مواطنين ومواطنات فقط لأنهم أعادوا نشر تغريدة، أو سجلوا رأيًا، أو أعجبوا بمنشور، كما حدث في قضايا مثل سلمى الشهاب، التي صدرت بحقها عقوبة قاسية بالسجن 34 عامًا، ونورة القحطاني التي حُكم عليها بالسجن 45 عامًا. هذه الأحكام تعكس بوضوح أن الفضاء الرقمي في السعودية لم يعد مساحة للتعبير، بل أصبح مصيدة يُلاحَق فيها كل من يخرج عن الرواية الرسمية.

ومع استمرار احتجاز الشيخ عوض القرني في العزل الانفرادي لما يقترب من ثماني سنوات، تتحمل السلطات السعودية كامل المسؤولية عن هذه المعاملة اللا إنسانية، وعن الإصرار على التمسك بالمطالبة بإعدامه استنادًا إلى تغريدات وآراء فكرية. الإبقاء على رجل تجاوز الستين عامًا داخل زنزانة انفرادية طوال هذه المدة يشكل انتهاكًا صريحًا لمعايير الأمم المتحدة، وهو عقوبة مضاعفة لا تُستخدم أصلًا إلا ضد السجناء الذين يرتكبون مخالفات خطيرة داخل السجن، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة.

إننا نحمّل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن هذا الانتهاك الجسيم، ونطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الشيخ عوض القرني. وندعو المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية والهيئات الأممية إلى اتخاذ خطوات حقيقية للضغط على الرياض لإنهاء هذا الظلم، ووقف استخدام القضاء كأداة للانتقام وتكميم الأفواه. كما ندعو الأحرار حول العالم إلى مواصلة تسليط الضوء على أوضاع معتقلي الرأي في المملكة، لأن الصمت لا يعني إلا المشاركة في الجريمة.

الشيخ عوض القرني لم يحمل سلاحًا، ولم يدعُ إلى العنف، ولم يرتكب جرمًا يستدعي العقاب. كل ما فعله أنه كتب… واستخدم حقه الطبيعي في التعبير. وفي دولة تمارس الخوف بدل القانون، تصبح الكلمة وحدها جريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى