لأنه رفض ترك منزله لصالح نيوم… عبد الإله الحويطي يُحكم عليه بمئة عام من السجن والمنع من السفر

من بين أكثر القضايا التي جرى دفنها عمدًا تحت ضجيج الدعاية والاستثمارات الوهمية، تبرز جريمة التهجير القسري التي تعرّضت لها قبيلة الحويطات في شمال غرب الجزيرة العربية، في سياق فرض مشروع نيوم بالقوة، ودون أي اعتبار للإنسان، أو الأرض، أو الحق التاريخي لأصحابها. ما جرى – وما يزال – ليس “تطويرًا” ولا “مستقبلًا”، بل عملية اقتلاع ممنهجة لسكان أصليين، رافقها قمع أمني، وتنكيل قضائي، وعقوبات انتقامية طويلة الأمد.
في قلب هذه الجريمة تقف قضية عبد الإله راشد إبراهيم الحويطي، أحد أبناء القبيلة الذين اختاروا التمسك بحقهم الطبيعي في البقاء داخل منازلهم، ورفضوا الخضوع لأوامر الإخلاء القسري. هذا الرفض، الذي يُفترض أن يكون حقًا مشروعًا في أي دولة تحترم القانون، تحوّل في واقع النظام السعودي إلى “جريمة” عوقب عليها عبد الإله بأقسى العقوبات.
عبد الإله راشد الحويطي يقبع اليوم رهن الاعتقال، بعد أن أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة – المعروفة بدورها كأداة للقمع السياسي – حكمًا يقضي بسجنه خمسين عامًا، يعقبها خمسون عامًا أخرى من المنع من السفر، أي عقوبة تمتد لمئة عام فعليًا، فقط لأنه رفض مغادرة منزله، ووقف إلى جانب عائلته في مواجهة التهجير القسري.
لم تكتفِ السلطات بهذا الحكم الانتقامي، بل رافق مسار القضية سلسلة من الانتهاكات الجسيمة، في مقدمتها الاعتقال التعسفي، ومنع المراقبين من حضور جلسات المحاكمة، وغياب أي ضمانات لمحاكمة عادلة أو شفافة. هكذا جرى تحويل القضاء إلى أداة لترهيب مجتمع كامل، وإرسال رسالة واضحة لكل من يفكر في الاعتراض: من يرفض يُسحق.
في أغسطس/آب 2022، ثبّتت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة هذه الأحكام بحق عبد الإله راشد الحويطي، وبحق عبد الله دخيل الله الحويطي، في خطوة أكدت أن العقوبة لم تكن فردية، بل جزءًا من سياسة عقاب جماعي تستهدف كل من دعم رفض عائلات الحويطات إخلاء منازلهم لصالح مشروع نيوم. القضية هنا ليست “أمنًا” ولا “قانونًا”، بل انتقام من سكان أصليين تجرؤوا على قول لا.
ما يحدث مع عبد الإله الحويطي هو نموذج فجّ لكيفية إدارة مشروع نيوم: إزالة البشر قبل الأرض، إسكات الأصوات قبل وضع المخططات، وبناء مدينة دعائية على أنقاض حقوق الإنسان. هذه الأحكام لا يمكن فصلها عن سياق أوسع من القمع، الذي يرى في أي تمسك بالحق تهديدًا يجب القضاء عليه.
إن التذكير بقضية عبد الإله راشد الحويطي ليس مجرد استعادة لاسم معتقل، بل فضح لجريمة مستمرة، ومطالبة صريحة بوقف استخدام القضاء كسلاح، ووضع حد لسياسة التهجير القسري والعقاب الجماعي. العدالة لا تسقط بالتقادم، ومئة عام من القمع لن تغيّر حقيقة واحدة: أن الأرض لأهلها، وأن رفض الظلم ليس جريمة.


