347 إعدامًا في عام واحد: أكثر الأعوام دموية في السعودية، ولا زال الجناة بلا محاسبة

تشهد السعودية تصعيدًا غير مسبوق في استخدام عقوبة الإعدام، في تطور خطير يعكس انحدارًا حادًا في أوضاع حقوق الإنسان، وسط صمت دولي مقلق وتجاهل متعمد للمعايير القانونية والإنسانية الأساسية. فقد تجاوز عدد الإعدامات المنفذة هذا العام كل الأرقام المسجلة سابقًا، ليصبح العام الأكثر دموية منذ بدء رصد هذه العقوبة في المملكة، وفق توثيق منظمات حقوقية دولية.
بحسب المعطيات المتاحة وتقارير منظمة Reprieve، نفذت السلطات السعودية ما لا يقل عن 347 عملية إعدام خلال عام واحد، في رقم غير مسبوق يؤكد أن عقوبة الإعدام باتت أداة سياسية وأمنية تُستخدم على نطاق واسع، لا استثناءً قانونيًا محدودًا. وتشير البيانات إلى أن الغالبية العظمى من هذه الإعدامات نُفذت بحق أشخاص أدينوا في قضايا غير قاتلة، وعلى رأسها قضايا مخدرات، في انتهاك صارخ لموقف الأمم المتحدة التي تؤكد أن الإعدام في مثل هذه القضايا يتعارض كليًا مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتكشف الوقائع أن أكثر من نصف من أُعدموا هذا العام هم من الأجانب، ما يعكس نمطًا تمييزيًا خطيرًا في تطبيق العقوبة، ويثير تساؤلات جدية حول غياب الضمانات القانونية، وحرمان المتهمين من التمثيل القانوني الفعّال أو الوصول القنصلي، فضلًا عن انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، وهي ممارسة وُصفت بأنها “منهجية ومتجذرة” داخل منظومة العدالة الجنائية السعودية.
من بين من طالتهم الإعدامات هذا العام الصحفي تركي الجاسر، وعدد من الشبان الذين كانوا قُصّرًا وقت ارتكاب الأفعال المنسوبة إليهم، إضافة إلى نساء وأفراد من فئات اجتماعية هامشية، ما يؤكد أن آلة الإعدام لا تميّز بين فئات المجتمع، وأنها تُستخدم لترسيخ الخوف وإرسال رسائل ردع جماعية، لا لتحقيق العدالة.
وتبرز قضية الصحفي تركي الجاسر مثالًا فاضحًا على توظيف الإعدام لإسكات حرية التعبير، حيث أُعدم بعد محاكمة افتقرت إلى العدالة، استندت إلى اتهامات مرتبطة بكتاباته. وقد أدانت جهات دولية هذا الإعدام باعتباره اعتداءً مباشرًا على حرية الصحافة، ورسالة ترهيب لكل من يمارس العمل الإعلامي أو التعبير المستقل.
كما نُفذت إعدامات بحق أشخاص أُدينوا على خلفية مشاركتهم في احتجاجات سلمية أو أنشطة سياسية، من بينهم عبد الله الدرازي وجلال اللباد، اللذان كانا قاصرين وقت اعتقالهما، وحُكم عليهما بالإعدام بعد محاكمات وُصفت بأنها جائرة واعتمدت على اعترافات منتزعة تحت التعذيب، رغم مطالبات أممية سابقة بالإفراج عنهما.
وتشير شهادات عائلات المحكومين بالإعدام إلى مناخ من الرعب النفسي المستمر، حيث لا تُبلَّغ الأسر مسبقًا بموعد التنفيذ، ولا تُسلَّم الجثامين، ولا يُكشف عن أماكن الدفن، في انتهاك جسيم لحقوق العائلات وللمعايير الإنسانية الأساسية. كما يُجبر السجناء على مشاهدة رفاقهم يُقتادون إلى الإعدام، في مشاهد قاسية ترقى إلى التعذيب النفسي الجماعي.
إن منظمة معًا من أجل العدالة ترى أن هذا التصعيد الدموي يؤكد أن السلطات السعودية تمارس الإعدام في ظل إفلات كامل من المساءلة، مستفيدة من غياب أي كلفة سياسية أو دبلوماسية حقيقية، بينما تستمر الفعاليات الترفيهية والرياضية الدولية في التغطية على هذه الانتهاكات الجسيمة، وتقديم صورة زائفة عن “الانفتاح”.
وتؤكد المنظمة أن مزاعم السلطات السعودية بشأن حماية حقوق الإنسان أو حصر الإعدام في “أشد الجرائم خطورة” تتناقض كليًا مع الوقائع الموثقة، ومع الإعدامات الجماعية في قضايا مخدرات وحرية تعبير واحتجاج سلمي، فضلًا عن غياب الشفافية، وانتشار التعذيب، وحرمان المتهمين من محاكمات عادلة.
وعليه، تطالب معًا من أجل العدالة بما يلي:
- فرض وقف فوري لتنفيذ جميع أحكام الإعدام في السعودية تمهيدًا لإلغائها بالكامل.
- فتح تحقيقات دولية مستقلة في قضايا الإعدام التي شابتها ادعاءات التعذيب والمحاكمات الجائرة.
- إلزام السلطات السعودية بالكشف الكامل عن بيانات الإعدامات، بما في ذلك أسماء الضحايا، التهم، إجراءات المحاكمة، ومكان الدفن.
- ضمان حق الدفاع والتمثيل القانوني الفعّال، والوصول القنصلي للأجانب، وإخطار العائلات مسبقًا.
- محاسبة المسؤولين عن التعذيب، وانتزاع الاعترافات القسرية، وتنفيذ الإعدامات خارج المعايير الدولية.
إن استمرار هذا النهج لا يشكّل فقط جريمة بحق الضحايا وأسرهم، بل يمثل تهديدًا خطيرًا لمنظومة حقوق الإنسان العالمية، واختبارًا حقيقيًا لمدى جدية المجتمع الدولي في مواجهة الإعدامات التعسفية، حين ترتكبها دولة تحظى بالحماية السياسية والاقتصادية.


