إصداراتتقارير

استمرار احتجاز الدكتور عمر المقبل رغم انتهاء محكوميته

منذ اعتقال الدكتور عمر بن عبد العزيز المقبل في سبتمبر 2019 بسبب تعبيره عن رأيه حول سياسات الترفيه، تستمر السلطات السعودية في احتجازه رغم انتهاء محكوميته كاملة في مارس 2024، وهو أمر يفتقر لأي سند قانوني أو مبرر منطقي. الدكتور المقبل، أستاذ الشريعة في جامعة القصيم، اكتفى بتعليق علمي هادئ قال فيه: “لسنا ضد الترفيه في المملكة، ولكننا ضد سلخ المجتمع من هويته، وضد ذبح الحياء واغتيال المروءة.” وهي عبارة تصف موقفًا اجتماعيًا محافظًا، لا يتضمن تحريضًا ولا إساءة ولا دعوة إلى العنف، بل يقع ضمن الحدود الطبيعية لحرية الرأي التي يكفلها القانون والشرع والمنطق. ورغم ذلك، أُلقي القبض عليه فورًا، وصدر بحقه حكم بالسجن ستة أشهر، قبل أن تقوم المحكمة العليا بزيادته إلى أربع سنوات انتهت بشكل كامل منذ مارس 2024، لكن احتجازه ما يزال مستمرًا بلا أي توضيح رسمي، في مخالفة صريحة لأبسط معايير العدالة والإجراءات القانونية.

والمفارقة التي لا يمكن تجاهلها أن المملكة نفسها تواصل في السنوات الأخيرة الإعلان عن تغييرات اجتماعية واسعة ومتشعبة، وصلت في 8 ديسمبر الجاري إلى إعلان خطوة جديدة لتخفيف القيود على بيع الكحول داخل البلاد، والسماح لفئة من المقيمين غير المسلمين ذوي الدخل المرتفع بشراء المشروبات الكحولية. وهذا الإعلان ليس موضع نقاش هنا من زاوية دينية أو اجتماعية، بل من زاوية المبدأ نفسه: إذا كانت الدولة تتجه نحو فتح مساحات أوسع لأنماط مختلفة من الحياة العامة، وتتخذ قرارات حساسة تتعلق بهوية المجتمع وقيمه، فإن السؤال البديهي يصبح: لماذا يُسمح لاتجاه واحد أن يتوسع بلا قيود، بينما يُسلب الاتجاه الآخر حتى حق التعبير السلمي عن رأيه؟ وكيف يمكن تبرير أن تُفتح الأبواب أمام تغييرات جوهرية في نمط الحياة، ثم يُزجّ في السجون بكل من يناقش هذه التغييرات أو يعترض عليها بمنتهى الهدوء وبالوسائل السلمية المتاحة؟

إن استمرار احتجاز الدكتور عمر المقبل بعد انتهاء محكوميته لا يكشف فقط عن خلل قانوني، بل يعكس أيضًا سياسة مزدوجة تجعل من حرية الرأي امتيازًا يمنح ويُمنع، لا حقًا أصيلًا لكل فرد. فإذا كانت السلطات تعتبر نفسها في مرحلة “انفتاح” واسع، فمن باب أولى أن يكون هذا الانفتاح شاملًا ومسؤولًا، يسمح بالتعددية الفكرية، ويضمن ألا يتحول أي رأي مخالف إلى تهمة يعاقَب صاحبها بالحرمان من حريته لسنوات.

في هذا السياق، تطالب منظمة “معًا من أجل العدالة” بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الدكتور عمر المقبل، والكشف عن وضعه القانوني الحالي، ووقف الممارسات التي تجعل حرية الرأي خطرًا على من يمارسها، وضمان ألا يُستخدم القضاء أداة لمعاقبة الاختلاف. إن عودته إلى أسرته وطلابه ليست مطلبًا حقوقيًا فحسب، بل استحقاق قانوني تأخر كثيرًا، ولا شيء يبرر استمرار حرمانه من حريته بعد أن أكمل مدة الحكم المفروضة عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى