السعودية.. مقبرة العقول والكفاءات: ثماني سنوات من احتجاز الدكتور عصام الزامل بلا جريمة

ثماني سنوات قضاها الخبير الاقتصادي السعودي الدكتور عصام الزامل خلف القضبان، دون جريمة، ودون محاكمة عادلة، ودون سبب مشروع سوى أنه مارس دوره الطبيعي كمفكر اقتصادي مستقل حذّر من سوء إدارة الثروة العامة وتبديد الموارد في مشاريع خارجية غير مدروسة.
اعتُقل الزامل في سبتمبر/أيلول 2017 ضمن حملة شاملة استهدفت الأكاديميين والمفكرين والدعاة، بالتزامن مع صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد. كان الزامل حينها أحد أبرز الأصوات الاقتصادية في المملكة، يكتب باسمه الصريح، ويشارك في النقاش العام حول السياسات الاقتصادية، بل شارك رسميًا في وفد رافق الملك سلمان إلى الولايات المتحدة، قبل أن يتحول بعد أيام إلى “متهم” تُلفق له تهم مثل “تهديد الوحدة الوطنية” و“تخريب النسيج الاجتماعي”.
ثلاث سنوات قضاها في الحبس دون محاكمة، قبل أن تصدر المحكمة الجزائية المتخصصة حكمًا جائرًا بحبسه 15 عامًا بعد جلسات سرية افتقرت إلى أدنى معايير العدالة، حُرم خلالها من حق الدفاع، ولم يُعرض خلالها أي دليل قانوني يبرر الإدانة.
تعرض الزامل خلال فترة احتجازه لسوء معاملة ممنهج، شمل الحبس الانفرادي لفترات طويلة، والحرمان من الرعاية الطبية، والعزل التام عن العالم الخارجي، في انتهاك صارخ للقوانين المحلية والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها السعودية.
المفارقة المأساوية أن التحذيرات التي أطلقها الزامل قبل اعتقاله تحققت لاحقًا. فقد أقرّ محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان مؤخرًا بأن الصندوق خسر مليارات الدولارات في صفقة مع بنك “كريدي سويس” بسبب غياب الرقابة وضعف الكفاءة في اتخاذ القرار. وهي بالضبط النقاط التي نبه إليها الزامل قبل اعتقاله، حين دعا إلى ترشيد الإنفاق العام وتوجيه الاستثمارات بما يخدم المواطن، لا بما يخدم الدعاية السياسية.
ما حدث للدكتور عصام الزامل يكشف جوهر النظام السعودي الذي لا يحتمل الكفاءات المستقلة، ولا يسمح بوجود عقل ناقد حتى داخل المؤسسات الرسمية. الدولة التي تضع خبيرًا اقتصاديًا خلف القضبان لأنه مارس دوره المهني، لا تبني مستقبلًا، بل تهدم ما تبقى من الثقة والمعرفة، وتحوّل كفاءاتها إلى ضحايا للصمت والإقصاء.
تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة أن استمرار احتجاز الدكتور عصام الزامل يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية الرأي والفكر، وإساءة جسيمة لا تقتصر عليه وحده، بل تمتد إلى المجتمع السعودي بأسره الذي حُرم من أحد أبرز العقول الاقتصادية الوطنية. وتطالب المنظمة بـالإفراج الفوري وغير المشروط عنه، وفتح تحقيق مستقل في ظروف احتجازه ومحاكمته، ومحاسبة الجهات التي استخدمت القضاء كأداة لمعاقبة التفكير المستقل.
إن بقاء الدكتور عصام الزامل في السجن هو دليل واضح على أن النظام السعودي حوّل بلاده إلى مقبرة للعقول الفذة، حيث يُعامل العقل الناقد كتهديد، والكفاءة كجريمة، والرأي الصادق كخيانة.