رقصة العرضة: أرقام قياسية أخرى للسعودية.. لكن العالم ينساها!

عندما يُذكر اسم السعودية في وسائل الإعلام العالمية، غالبًا ما يكون ذلك بسبب أرقام قياسية تُحققها في الترفيه والفعاليات والمهرجانات. رقصة العرضة تدخل موسوعة غينيس، أضخم حفلة موسيقية في الشرق الأوسط، أرقام خيالية تُصرف على استقطاب مشاهير الفن والرياضة… لكن هناك أرقام قياسية أخرى تحطمها السعودية، ولا تجد لها مكانًا في العناوين الرئيسية. أرقام سوداء، مشبعة بالقمع والدماء، لكنها لا تُروَّج بنفس الحماسة، لأنها لا تتماشى مع الصورة التي يريد النظام السعودي رسمها للعالم.
في الواقع، السعودية لا تُحطم الأرقام القياسية في الترفيه فحسب، بل في الظلم والقمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ففي الوقت الذي تُبهر فيه الأنظار بالأضواء الساطعة والمهرجانات الفاخرة، تُنفّذ في زنازينها أحكام إعدام جماعية بعد محاكمات هزلية تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، حيث لا تُقدم فيها أدلة موثوقة تبرر حتى اعتقال شخص، ناهيك عن قتله. وفي الوقت الذي يملأ فيه النظام منصات الإعلام بتصريحات عن “الانفتاح”، يقبع عشرات الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن الحقوق في السجون، محرومين من أبسط حقوقهم، يُعذبون، يُحكم عليهم في جلسات صورية، ويُجبرون على الاختفاء من المشهد تمامًا، حتى لا يُفسدوا صورة “السعودية الجديدة”.
الأرقام وحدها كافية لكشف الصورة الحقيقية خلف الواجهة البراقة. خلال عام 2024، سجلت السعودية رقمًا قياسيًا جديدًا في الإعدامات، حيث نفذت أكثر من 330 عملية إعدام، متجاوزة كل السنوات السابقة. أرقام مروعة لم تتوقف رغم وعود الملك وابنه المتكررة بأن “الإعدامات ستُلغى إلا في الحالات القصوى”. ففي عام 2020، أصدر الملك سلمان مرسومًا ملكيًا يقضي بإلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصّر، لكن بعد سنوات من هذا القرار، لا تزال المملكة تنفذ أحكام الإعدام ضد أشخاص اعتُقلوا عندما كانوا أطفالًا، مما يثبت أن هذه التعهدات لم تكن سوى وعود فارغة لم يُلتزم بها.
أما ولي العهد محمد بن سلمان، فقد تعهد في مقابلاته الإعلامية بأن عقوبة الإعدام لن تُطبق إلا في “أضيق الحدود”، وزعم أن الإصلاحات القانونية ستحدّ من تنفيذها. لكن الواقع يكشف عكس ذلك تمامًا، حيث تضاعفت أعداد الإعدامات، وكثيرٌ منها جاء بعد محاكمات صورية، دون أدلة موثوقة، ودون ضمانات قانونية حقيقية، في مشهد يعكس استهتار النظام بأبسط معايير العدالة.
وراء الجدران التي لا يُسمح للعالم برؤيتها، يتعرض المعتقلون لتعذيب وحشي، يُحرمون من العلاج، يُحتجزون في ظروف لاإنسانية، وتُمارس بحقهم كل أشكال الإهانة والإذلال. النظام الذي يُنفق المليارات على الترفيه لا يجد أدنى مشكلة في سحق حقوق الإنسان بقدمه الثقيلة، طالما أن العالم مشغول بالتصفيق لفعالياته العالمية وصوره “التحديثية”. حرية الرأي؟ مجرد خرافة. أي انتقاد، مهما كان بسيطًا، قد يكون تذكرة ذهاب بلا عودة إلى السجون. أي تعبير عن رفض السياسات القمعية قد يُكلف صاحبه حياته، أو في أحسن الأحوال، سنوات طويلة خلف القضبان دون محاكمة عادلة.
ورغم كل هذا، يبقى السؤال: لماذا لا يتحدث العالم عن هذه الأرقام؟ لماذا يُبهره الاستثمار في الترفيه لكنه يتعامى عن الاستثمار في القمع؟ لماذا يُهرع السياسيون والمشاهير لحضور الفعاليات السعودية، لكنهم لا يُحركون ساكنًا أمام الجحيم الذي يعيشه المعتقلون في زنازينها؟
لا يجب أن يُخدع العالم بهذه الصورة المصطنعة. السعودية ليست فقط دولة الحفلات والمسابقات والاحتفالات، بل هي أيضًا دولة الظلم والقهر والانتهاكات. لا يجب أن يُنسى من قُتل ظلمًا، أو من يعاني الآن داخل السجون دون أن يسمع أحد صوته. الأرقام الحقيقية ليست في حجم الحشود في مهرجانات الترفيه، بل في عدد الأرواح التي أُزهقت بقرارات تعسفية، وعدد الأحكام الجائرة التي صدرت خلف الأبواب المغلقة، وعدد الأبرياء الذين ينتظرون مصيرهم في سجون لا ترحم. هذه الأرقام لا تُعرض في شاشات الإعلانات الضخمة، لكنها الحقيقة التي يجب أن تُقال.