قضية سعد الله الحوالي كنموذج للعقاب الجماعي ضد معتقلي الرأي والمعارضين في السعودية
يمثل ما يتعرض له سعد الله الحوالي، الشقيق الأصغر للشيخ المعتقل سفر الحوالي، نموذجًا فاضحًا للقمع الممنهج الذي تمارسه السلطات السعودية، حيث يُحتجز في ظروف قاسية وغير إنسانية، لا لشيء سوى صلته العائلية بداعية تعتبره السلطة خصمًا شخصيًا لولي العهد. فالقضية لا تتعلق بأي جريمة مثبتة، بل بعقاب جماعي يستهدف الأسرة بأكملها، في سياق تصفية حسابات سياسية لا تخضع لأي معايير قانونية أو قضائية.
كان من المفترض الإفراج عن سعد الله الحوالي في عام 2022 بعد إتمامه عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات، إلا أن السلطات السعودية أقدمت في يناير/كانون الثاني 2023 على تغليظ الحكم الصادر بحقه بشكل تعسفي، ورفع مدة السجن من أربع سنوات إلى أربع عشرة سنة، دون تقديم أي مبرر قانوني، رغم أن العقوبة الأصلية كانت قد انتهت بالفعل. هذا القرار يشكل انتهاكًا صريحًا لمبدأ عدم جواز المعاقبة مرتين على الفعل ذاته، ويكشف عن استخدام القضاء كأداة للانتقام السياسي.
تعود بداية معاناة سعد الله الحوالي إلى يوليو/تموز 2018، حين داهمت قوات الأمن السعودية منزله واعتقلته واقتادته إلى مكان مجهول، حيث ظل مختفيًا لعدة سنوات قبل أن يصدر بحقه حكم بالسجن أربع سنوات في جلسة سرية، استندت إلى تهم ملفقة. وقد تمحورت هذه التهم حول الاشتباه في تسريبه نسخة إلكترونية من كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” الذي ألّفه شقيقه الشيخ سفر الحوالي، والذي انتقد فيه الفساد والبذخ المالي والإنفاق على أنشطة لا تخدم مصلحة البلاد.
لا يمكن النظر إلى تغليظ عقوبة سعد الله الحوالي باعتباره واقعة منفصلة، بل يأتي ضمن سياسة أوسع تعتمدها السلطات السعودية تقوم على العقاب الجماعي بحق عائلات المعارضين. فسبب الاضطهاد الحقيقي الذي يتعرض له سعد الله هو علاقته بشقيقه الشيخ سفر الحوالي، الذي ترى فيه السلطات خصمًا سياسيًا، رغم تقدمه الكبير في السن وتدهور حالته الصحية بشكل خطير.
ووفق تقارير صادرة عن مصادر مطلعة، يعاني الشيخ سفر الحوالي من كسور في الحوض، ومن تبعات جلطات دماغية سابقة، إضافة إلى مشكلات حادة في الكلى. وعلى الرغم من هذه الظروف الصحية الحرجة، تم اعتقاله وإبقاؤه في ظروف احتجاز قاسية، بما يعكس إصرار السلطات السعودية على إسكات أي صوت معارض، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المعتقل وسلامته الجسدية.
امتدت معاناة عائلة الحوالي إلى أفراد آخرين، إذ قام عبد الله الحوالي، نجل الشيخ سفر، بالتبرع بإحدى كليتيه لوالده، قبل أن يتم اعتقاله هو الآخر. ومع امتلاكه كلية واحدة فقط، يحتاج عبد الله إلى نظام صحي وغذائي خاص وبيئة نظيفة ومستقرة لتفادي المضاعفات الطبية الخطيرة. إلا أن ظروف الاحتجاز السيئة داخل السجون السعودية، ولا سيما بحق المعتقلين السياسيين، تشكل تهديدًا مباشرًا لحياته وتزيد من احتمالات تدهور وضعه الصحي.
إلى جانب ذلك، حُرم سعد الله الحوالي من الرعاية الطبية الأساسية منذ لحظة اعتقاله، وهي ممارسة متكررة تلجأ إليها السلطات السعودية ضد العديد من المعتقلين السياسيين. ورغم المناشدات المتكررة التي أطلقتها منظمات حقوقية ومراقبون دوليون، تواصل الحكومة السعودية فرض تعتيم كامل على أوضاع المعتقلين السياسيين، ما يضاعف من معاناة المعتقلين أنفسهم، ويترك عائلاتهم في حالة دائمة من القلق وعدم اليقين بشأن مصير أحبائهم.
تشكل العقوبات الجماعية التي فُرضت على عائلة الحوالي مثالًا واضحًا على النهج الذي يتبعه النظام السعودي في التعامل مع من يعتبرهم تهديدًا لسلطته، بدءًا من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، مرورًا بالمحاكمات السرية وحرمان المعتقلين من حقهم في توكيل محامين، ووصولًا إلى منعهم من التواصل مع العالم الخارجي. وتبرز عائلة الحوالي كحالة نموذجية لهذه السياسة المنهجية التي تهدف إلى الإخضاع القسري وكسر أي موقف معارض.
تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة ضرورة الإفراج الفوري عن الشيخ سفر الحوالي وأفراد عائلته، نظرًا للخطر الجسيم الذي يشكله استمرار احتجازهم على حياتهم وصحتهم، كما تطالب بالإفراج غير المشروط عن جميع معتقلي الرأي الذين لم يرتكبوا أي جرم سوى التعبير السلمي عن آرائهم.
تمثل قضية عائلة الحوالي تذكيرًا صارخًا بمدى القمع الذي يمارسه النظام السعودي بحق أي صوت معارض، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه الشعب السعودي، عبر مساءلة السلطات السعودية عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، والمطالبة بالعدالة لكل من تعرض للاعتقال التعسفي دون أي مسوغ قانوني.


