لا تتجرأ على المطالبة بفرصة عمل في السعودية… ستدفع شبابك ثمنًا لهذا
الرسالة التي يبعث بها النظام السعودي إلى شبابه واضحة وصريحة: المطالبة بالعمل والعيش الكريم ليست حقًا، بل جريمة تُواجَه بالسجن الطويل والتنكيل. قضية الناشط السعودي عبد الله يوسف جيلان مثال حي على هذا هذا المنطق القمعي بوضوح، حيث يتحول السؤال عن البطالة ومستقبل الشباب إلى سبب كافٍ لتدمير حياة كاملة. فما تعرض له جيلان ليس حالة فردية، بل جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات أي صوت يجرؤ على مساءلة السلطة عن الحقوق الاقتصادية أو مصير جيل حُرم من أبسط مقومات الحياة الكريمة.
عبد الله جيلان، خريج جامعة ويست شيستر الأمريكية، اعتُقل في 12 مايو/أيار 2021 فور عودته إلى السعودية بعد إنهاء دراسته في الولايات المتحدة. داهمت قوة أمنية كبيرة منزل عائلته في حي شظاة بالمدينة المنورة، مستخدمة ست سيارات ونحو عشرين عنصرًا، واعتقلته تعسفيًا دون إذن قضائي أو مذكرة توقيف، ودون إبلاغ رسمي بأسباب الاعتقال. بعد ذلك، اختفى عبد الله قسرًا لما يقارب عشرة أشهر، قبل أن يُكشف لاحقًا أنه محتجز في أحد سجون المباحث في المدينة المنورة.
ظل عبد الله رهن الاحتجاز التعسفي بلا محاكمة حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2022، حين أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة حكمًا بسجنه عشر سنوات، إضافة إلى حظر سفر لمدة عشر سنوات أخرى بعد الإفراج عنه. جرت المحاكمة في جلسات سرية افتقرت إلى أبسط معايير العدالة، إذ حُرم من حقه في الدفاع، ولم يُمكَّن من توكيل محامٍ، كما لم تُعلن السلطات بشكل واضح لائحة الاتهام الموجهة ضده، في انتهاك صارخ للضمانات القانونية الأساسية.
وخلال فترة احتجازه، تعرض عبد الله جيلان لسلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى التعذيب وسوء المعاملة. شملت هذه الانتهاكات الحبس الانفرادي لأشهر، وتقييد يديه لساعات طويلة، وحرمانه من النوم لثلاث ليالٍ متواصلة أثناء الاستجواب، إضافة إلى تعرضه للصعق بالكهرباء على يد عناصر من جهاز أمن الدولة. كما حُرم من أدويته الخاصة رغم حاجته الطبية، قبل أن يتم نقله لاحقًا إلى سجن ذهبان. هذه الممارسات تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وللقوانين المحلية التي تحظر التعذيب والمعاملة القاسية.
تكتسب قضية عبد الله جيلان بعدًا أكثر فجاجة حين توضع في سياقها الاقتصادي والسياسي الأوسع. فبينما تتفاقم أزمة البطالة بين الشباب السعودي، ويعاني الآلاف من غياب فرص العمل والاستقرار، يواصل النظام تجاهل هذه المعاناة، بل ويعاقب من يعبّر عنها. ففي الوقت الذي يُسجن فيه شاب مثل عبد الله فقط لأنه طالب بحقه وحق أبناء جيله في فرص عمل داخل وطنهم، يعلن رئيس صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان أن الصندوق استثمر أكثر من 85 مليار دولار في الاقتصاد الأوروبي، وأسهم في خلق أكثر من 240 ألف وظيفة هناك، مع خطط لخلق 330 ألف وظيفة إضافية خارج السعودية. المفارقة هنا ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية وأخلاقية: الوظائف تُصدَّر للخارج، بينما تُكمَّم أفواه من يطالبون بها في الداخل.
إن ما يتعرض له عبد الله جيلان ليس حالة فردية أو استثناءً عابرًا، بل جزء من سياسة واضحة لقمع الأصوات المطالبة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، وتجريم أي نقاش عام حول البطالة أو الحقوق الأساسية. وهي سياسة تكشف زيف شعارات “التحديث” و”الانفتاح” التي يروج لها النظام، إذ لا يمكن الحديث عن تنمية أو مستقبل مزدهر في ظل سجن الشباب بسبب مطالب مشروعة تتعلق بالعمل والكرامة.
تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة أن استمرار احتجاز عبد الله جيلان يمثل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، وتطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه، وفتح تحقيق مستقل وشفاف في الانتهاكات الخطيرة التي تعرض لها خلال فترة احتجازه، ومحاسبة جميع المسؤولين عنها. كما تدعو المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى ممارسة ضغط حقيقي على السلطات السعودية لوقف سياسات القمع هذه، واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين، وعلى رأسها الحق في التعبير، والحق في العمل، والحق في حياة كريمة داخل الوطن.



