إصداراتتقارير

محمد العتيبي… الناشط الذي توقّع انهيار هوية “الإصلاح الزائف” فكان سجنه هو الرد

لا تزال قضية محمد العتيبي تمثل مرآة تعكس واقع حقوق الإنسان في المملكة، حيث تتحول الأنشطة المدنية السلمية إلى “جرائم”، وتتخذ المحاكم إجراءات قمعية ممنهجة لإسكات كل من يطالب بالإصلاح. إن استمرار احتجاز العتيبي وتعرضه لسوء المعاملة يكشف حجم التناقض بين خطاب “الانفتاح” الرسمي وبين حقيقة ما يجري داخل السجون.

العتيبي—مؤسّس جمعية الاتحاد—لم يُعتقل من مكان سرّي أو من مظاهرة، بل خُطف فعليًا من مطار الرياض في مايو/أيار 2017 أثناء استعداده للسفر إلى النرويج بعد حصوله على صفة لاجئ بسبب التضييقات والملاحقات التي كان يتعرض لها داخل المملكة. وبذلك، أقدم النظام على انتهاك صارخ للقانون الدولي، وحقّ اللاجئ في الحماية، وأثبت مرة أخرى أن ملاحقة المعارضين تتجاوز حدود البلاد ولا تعترف بأي التزامات أخلاقية أو قانونية.

لم يكتفِ النظام باعتقاله، بل قدّم العتيبي إلى المحكمة الجزائية المتخصّصة—محكمة القمع السياسي بامتياز—ضمن محاكمة تفتقر لأدنى معايير العدالة. ووجّهت إليه قائمة تُهَم مثيرة للسخرية تعكس خوف النظام من أي نشاط مدني سلمي، من بينها: تأسيس جمعية دون ترخيص، إصدار بيانات تنتقد سياسات الدولة، الإساءة لسمعة المملكة، النشر عن التحقيقات رغم التعهد بعدم ذلك.

في يناير 2018 صدر الحكم الجائر بسجنه 14 عامًا. حكمٌ أدانته المنظمات الدولية معتبرة أنه يتناقض مع مزاعم التحديث التي يروّج لها ولي العهد. وقد أكدت سماح حديد من منظمة العفو الدولية حينها أن الحكم “رسالة واضحة بأن القيادة الجديدة مصممة على إسكات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان”.

لكن النظام لم يكتفِ بذلك. فبدلاً من مراجعة الانتهاكات أو الإفراج عنه، قام بتشديد الحكم إلى 17 عامًا من دون أي مسوّغ قانوني، في خطوة انتقامية مرتبطة مباشرة بإضرابات العتيبي المتكررة عن الطعام احتجاجًا على ظروف الاحتجاز المهينة في سجن الدمام.

مصادر خاصة تؤكد أن العتيبي يتعرض لتهديد مباشر بالقتل، وأن إدارة السجن تعمّد في بعض الفترات وضعه مع سجناء يتولّون إيذاءه بدعم وتسهيل من الحراس، بالإضافة إلى منعه من التواصل مع أسرته وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية.

اليوم، وبعد مرور أكثر من عام على آخر تقارير التذكير بقضيته، تؤكد الوقائع أن لا شيء تغيّر. بل ازداد وضعه سوءًا، واستمرت السلطات في تجاهل كل المناشدات الدولية، في الوقت الذي تواصل فيه الترويج لصورة الانفتاح والإصلاح أمام العالم.

إن استمرار اعتقال محمد العتيبي، وغيره من سجناء الرأي، هو وصمة عار على جبين النظام السعودي الذي يروّج لخطاب حقوقي زائف بينما يقمع كل صوت حر داخل البلاد.

وإذا كان ولي العهد صادقًا في وعوده بالإصلاح—كما يزعم—فأول خطوة حقيقية يجب أن تبدأ بـ الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع سجناء الرأي، وفي مقدمتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الذين لم يرتكبوا جريمة سوى ممارسة حقهم الطبيعي في التعبير السلمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى