مشروعات الطاقة المتجددة في السعودية تُبنى على استعباد العمال المهاجرين واستغلالهم

يواصل النظام السعودي الترويج لنفسه عالميًا كقوة صاعدة في مجال الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، إلا أن خلف هذه الدعاية البراقة تختبئ حقيقة مأساوية تقوم على الاستغلال الجائر للعمال المهاجرين القادمين من جنوب آسيا. تقرير جديد كشف أن هؤلاء العمال يُجبرون على العمل في ظروف قاسية أقرب إلى العبودية، لبناء المزارع الشمسية ومشروعات الهيدروجين الأخضر التي يتفاخر بها النظام أمام العالم. فالحديث عن “رؤية خضراء” ليس سوى غطاء يخفي واقعًا من الانتهاكات الممنهجة التي تجعل هذه المشروعات رمزًا للقمع بدلًا من التقدم.
شهادات العمال النيباليين والبنغاليين الذين جرى توثيق أوضاعهم تفضح حجم الانتهاكات: رواتب هزيلة لا تتجاوز في المتوسط 370 دولارًا شهريًا، بل تنخفض أحيانًا إلى 250 دولارًا، في مقابل دفع رسوم استقدام مرهقة تصل إلى 1600 دولار قبل وصولهم إلى السعودية. هؤلاء العمال يعملون سبعة أيام في الأسبوع بلا راحة، وتحت درجات حرارة تتجاوز الخمسين مئوية في صحراء معزولة، حيث يُعاقَبون على أخذ استراحة قصيرة ويُجبرون على العمل لساعات إضافية من أجل إرسال بعض المال إلى عائلاتهم. حالات الإغماء ونزيف الأنف والوفاة المشتبه في كونها نتيجة أزمة قلبية، كما وقع في مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، ليست إلا دلائل دامغة على طبيعة الجحيم الذي يواجهونه يوميًا. أحد العمال وصف الوضع بقوله: “السعودية تشبه السجن، نحن مثل السجناء”، في تعبير يلخص واقعًا تحاول السلطات إنكاره وإخفاءه.
ما يحدث ليس حوادث فردية بل منظومة كاملة من الاستغلال، تعكس طبيعة نظام يقوم على القهر والتمييز. فالكفالة التي تزعم السلطات أنها خففت من قبضتها لم تُلغَ أبدًا، والنقابات العمالية لا تزال محظورة، والحد الأدنى للأجور لا يشمل المهاجرين، ما يتركهم تحت رحمة المقاولين من الباطن الذين يتاجرون بعرقهم وأرواحهم. وعندما حاول بعض العمال الاحتجاج على ظروفهم في مواقع مثل مشروع سدير للطاقة الشمسية، كانت النتيجة الطرد والترحيل، في رسالة واضحة أن أي صوت معارض سيُسحق بلا رحمة.
في الوقت ذاته، يستخدم النظام السعودي هذه المشروعات الملطخة بالانتهاكات لتلميع صورته عالميًا والتغطية على تاريخه الأسود في مجال حقوق الإنسان، وصولًا إلى محاولاته ربط هذه المشاريع بالدعاية لاستضافة كأس العالم 2034. يتفاخر ولي العهد بمشروع نيوم كواجهة لرؤية 2030، بينما يتعمد طمس ذكر العمال الذين يُساقون كالعبيد في الصحراء لإنجازه. إن “المستقبل الأخضر” الذي يزعم النظام بناءه ليس إلا مستقبلًا قائمًا على عرق ودماء أفقر العمال المهاجرين الذين يتم تحويلهم إلى أسرى في معسكرات العمل.
هذه الحقائق تكشف بوضوح أن النظام السعودي لا يسعى إلى إصلاح أو تغيير حقيقي، بل يستثمر في استغلال البشر كما يستثمر في النفط والسلاح. وما يُسوَّق عالميًا على أنه انتقال للطاقة النظيفة ليس سوى استمرار للانتهاكات بأدوات جديدة. إن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الجرائم لا يجعل السعودية رائدة في الطاقة المتجددة، بل يكرسها كنظام يقوم على القمع والعبودية الحديثة، يدفن ضحاياه في رمال الصحراء تحت لافتة “التحول الأخضر”.
إن ما كشفه هذا التقرير يعكس بوضوح أن النظام السعودي يبني دعايته الخضراء على أنقاض حقوق الإنسان، محولًا العمال المهاجرين إلى وقود لرؤيته المزعومة. ومن هذا المنطلق، تطالب معًا من أجل العدالة بوقف فوري لهذه الانتهاكات، وإلغاء نظام الكفالة الذي يكرّس العبودية الحديثة، وضمان حد أدنى عادل للأجور، والسماح بتشكيل نقابات مستقلة تدافع عن حقوق العمال، إضافة إلى فتح تحقيقات دولية في حالات الوفاة والانتهاكات الموثقة داخل مشروعات الطاقة المتجددة. إن استمرار صمت المجتمع الدولي على هذه الجرائم يمثل مشاركة فعلية في تكريسها، ولا بد من تحرك عاجل لحماية العمال ووضع حد لسياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها النظام السعودي.