الشيخ غسان بهاء الدين زريق: 13 سنة سجنًا لإهداء كتاب… الشيخ غسان زريق ضحية محكمة لا تعترف بالمنطق
قبل عامين تقريبًا، ظهر اسم الشيخ غسان بهاء الدين زريق في الساحة كصاحب مشروع ديني تربوي هدفه خدمة القرآن وتعليم الأجيال. اليوم، يغيب اسمه قسرًا خلف أسوار السجن، ليس بسبب موقف معادٍ للدولة، ولا نشاط غير قانوني، ولا خطاب تحريضي، بل بسبب فعل علني قام به أمام الجميع: إهداء نسخة من مشروعه القرآني إلى شخصية عامة تركية. في 3 يناير 2023، تم اعتقاله دون مذكرة قضائية، وبعد أيام فقط صدر بحقه حكم بالسجن 13 عامًا بتهمة “التواصل مع جهات خارجية”، في واحدة من أكثر القضايا عبثية التي تختصر حقيقة المرحلة: لم يعد الفعل هو الجريمة، بل عنوانه وهويته واتجاهه. اليوم، مكان احتجازه مجهول، ومحاكمته لم تتوفر فيها أبسط شروط العدالة، وما زال مصيره شاهدًا على تحوّل كل مساحة ثقافية أو دينية أو إنسانية إلى فخ محتمل إذا خرجت عن المسار المرسوم.
في 3 يناير 2023، اعتُقل الشيخ غسان زريق بشكل تعسفي ودون أمر قضائي، ثم اختفى عن أسرته ومحيطه لأيام، ليُفاجَأ الجميع بصدور حكم من المحكمة الجزائية المتخصصة يقضي بسجنه 13 عامًا بتهمة “التواصل مع جهات خارجية”. لم يحصل على حق الدفاع عن نفسه، لم يُسمح له بتوكيل محامٍ، لم تُعرض قضيته في محكمة علنية، ولم تُقدَّم أدلة جنائية ذات معنى. كل ما صدر هو حكم جاهز، كأنه كان مكتوبًا قبل الاعتقال نفسه. المحكمة هنا لم تكن جهة تقاضٍ، بل أداة ختم قرار.
أما التُهمة نفسها، فهي لا تنهار فقط أمام القانون، بل أمام المنطق. فقد استندت السلطات إلى واقعة واحدة: إهداء الشيخ نسخة من مشروعه “بيدي رسمت حروفه وكتبت كلماته” إلى مستشار الرئيس التركي السابق ياسين أقطاي، وهو إهداء قام به مرارًا مع شخصيات عديدة من داخل وخارج السعودية، كون المشروع يُعد مبادرة ثقافية دينية تعليمية، وليس مشروعًا سياسيًا، ولا وثيقة سرية، ولا لقاء تنظيميًا، ولا نشاطًا دبلوماسيًا. الرجل لم يناقش اتفاقات، لم يوقّع تفاهمات، لم ينقل معلومات، ولم يشارك في عمل مؤسسي مع طرف خارجي. ما حدث لا يرقى حتى لتعريف “التواصل” الذي يمكن تجريمه، فضلًا عن أن يُصنّف تهديدًا يستحق 13 عامًا من السجن.
المفترض قانونيًا، حتى في تفسير الأنظمة الصارمة، أن تُعتبر التهمة المُدان بها الشخص قائمة على فعل محدد يسبّب ضررًا، أو يحمل نية ضرر، أو يندرج ضمن تعريف واضح للنشاط المجرّم. في حالة الشيخ غسان، لا يوجد ضرر، ولا نية ضرر، ولا فعل مجرّم، ولا سياق أمني، ولا سرّ منقول، ولا تحريض، ولا تمويل، ولا ارتباط تنظيمي، ولا اتفاقات، ولا تنسيق. كل ما حدث هو إهداء مشروع ديني مكتوب بخط اليد، علني، ومتاح للجميع، أُنجز بهدف الحفظ والمراجعة القرآنية، ونال سابقًا إشادات في أوساط ثقافية وإعلامية سعودية نفسها. وعليه، فالتهمة ليست فقط باطلة، بل عبثية، ولا يمكن تكييفها حتى ضمن أوسع تأويل سياسي للتهم، إلا إذا كان معيار الإدانة هو “الوجود خارج القطيع”.
تكمن خطورة هذه القضية في أنها لا تعاقب فعلًا، بل تعاقب المعنى. لا تعاقب ضررًا، بل تعاقب الاحتمال. ولا تعاقب مخالفة، بل تعاقب العلاقة. وكأن الرسالة التشريعية الجديدة في المملكة تقول: ليس ما تفعله هو الجريمة، بل مع من تلتقي، من يعرفك، ومن تُهدِيه كتابًا. هذه ليست قوانين دولة، بل قواعد اشتباه سياسي.
الأخطر أن الحكم صدر بعد أيام فقط من الاعتقال، وهو ما يكشف أن القضية لم تمر بمرحلة تحقيق جنائي جاد، ولا جمع أدلة، ولا دراسة حيثيات، ولا مواجهة اتهام، بل كانت محاكمة إجرائية شكلية، مدتها أقصر من الوقت الذي تحتاجه أبسط القضايا الإدارية، أما النتيجة فكانت 13 عامًا من السجن لشخص لم يرتكب جريمة يمكن تعريفها أو تفسيرها.
وفي الوقت الذي تعلن فيه السلطات عن الانفتاح، والإصلاح السياسي، وتمكين المجتمع، والانخراط العالمي، وتستعد لاستضافة إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، يزداد السؤال وضوحًا: أي إصلاح هذا الذي يحوّل مبادرات ثقافية إلى تهديدات أمنية؟ وأي انفتاح هذا الذي يرى في الإهداء جريمة؟ وأي تحديث هذا الذي يستخدم القضاء كسيف تأديب لأي تواصل إنساني عابر للحدود؟ وأي دولة قانون هذه التي لا تسمح حتى بمحاكمة علنية أو دفاع قانوني؟
الشيخ غسان زريق ليس خطرًا على دولة، بل خطر على فكرة واحدة فقط: فكرة أن المجال العام يجب أن يبقى أحادي الصوت وأحادي الاتجاه وأحادي الولاء. ولهذا، جريمته الحقيقية ليست كتابًا أهداه، بل حضورًا لا يمكن تدجينه.
إن استمرار اعتقاله، وإخفاء مكان احتجازه، ومنع التواصل عنه، وحرمانه من المحاكمة العادلة، ليس ظلمًا لشخص فقط، بل إعلانًا رسميًا بأن لا سقف للاتهام، ولا حدود للعقوبة، ولا حاجة للدليل، وأن القضاء يمكنه إنتاج تهمة من عدم، وحكمًا من انطباع، وسجنًا من هدية.
وعليه، تطالب منظمة معًا من أجل العدالة بـ:
- الإفراج الفوري غير المشروط عن الشيخ غسان بهاء الدين زريق
- إسقاط التهم العبثية المنسوبة إليه
- الكشف عن مكان احتجازه ووضعه الصحي
- إنهاء استخدام القضاء كأداة قمع سياسي