أمراء التجسس: متى تنتهي القبضة الأمنية ضد حرية الرأي والتعبير
“أمراء التجسس”، هكذا وصف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية كبار المسؤولين في النظام الحاكم بعد الكشف عن فضيحة لجوء السلطات في المملكة للتجسس على المعارضين وعائلاتهم وعدد من السياسيين في الدول الأخرى بهدف تقويض حركتهم وإخراس أصواتهم.
الفضيحة كانت مدوية للغاية، لا تزال تداعياتها وتفاصيلها تتصدر عناوين الصحف العالمية في كل مكان، خاصة بعد الكشف عن الاستعانة بشركات إسرائيلية في هذه المهمة الخبيثة التي ساهمت -للأسف- في تشويه صورة المملكة بشكل أكبر مما كانت عليه.
الموضوع يبدأ مع إصدار تحقيق يُدعى “مشروع بيغاسوس”، هو تحقيق عالمي أجرته 17 منصة إعلامية بما فيهم واشنطن بوست والغارديان البريطانية، والذي كشف أن السعودية استعانت ببرنامج “بيغاسوس”، المملوك لشركة NSO الإسرائيلية، للتجسس على زوجة الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حنان العتر، وعدد من أصدقائه النشطاء، وذلك بفحص بيانات استطاعت مجموعة “فوربيدن ستوريز” الحصول عليها.
نتائج تحقيق “مشروع بيغاسوس” تم الحصول عليها بعد فحص بيانات مسربة تضم 50000 رقم هاتف لأشخاص تم استهدافهم بواسطة برنامج التجسس الإسرائيلي -سواء نجحت هذه المحاولات أو لا.
وفقاً للتحقيق، فإن هاتف “العتر” تم استهدافه في الأشهر التي سبقت مقتل خاشقجي، ما يعني أن عملية التجسس هذه كانت على الأرجح ضمن خطة التنسيق لاغتيال الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، الذي كان في تلك الآونة من أبرز المعارضين للنظام السعودي الحالي، ومن أشد منتقدي سياسات ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان.
في تصريحات صحفية قالت العتر “حذرني جمال من قبل أنه قد يتم اختراقي… هذا يجعلني أعتقد أنهم على دراية بكل شيء دار بيني وبين جمال وبكل ما قام به جمال من خلال هاتفي”.
الجدير بالذكر أنه وبحسب التحقيق، فإن للإمارات العربية المتحدة، الحليف الوثيق للسعودية، دور كبير مسؤولة في استهداف هاتف “العتر” بالتعاون مع قوات الأمن السعودية.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية كانت أحد المنصات الإعلامية التي ساهمت في إجراء التحقيق، والتي كانت قد نشرت في وقت سابق قبل أكثر من عامين أن السعودية -في عام 2018- دفعت 55 مليون دولار لاستخدام برامج التجسس، بموجب ترخيص من إسرائيل التي تمتلك شركة NSO، وبدورها قامت الشركة بنفي وجود أي صلة ببرنامج “بيغاسوس” الخاص بها بمقتل خاشقجي أو التجسس عليه.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، تم رفع دعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية في لندن من قبل المعارض السعودي وصديق خاشقجي، عمر عبد العزيز، كما أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً ضد قيام إسرائيل بمنح ترخيص البرنامج للسعودية.
التحقيق تحدث عن استهداف معارضين سعوديين آخرين باستخدام برنامج التجسس “بيغاسوس”، مثل لجين الهذلول، الناشطة السعودية الأكثر شهرة في مجال حقوق المرأة، والتي تم القبض عليها في مايو/أيار 2018.
برنامج التجسس “بيغاسوس” هو برنامج تدعي الشركة الإسرائيلية أنه يستخدم لمساعدة الحكومات والأنظمة على تحديد الإرهابيين وتتبعهم لإحباط مخططاتهم، لكن الواقع أثبت أنه هذه الأسلحة لا تُوجه إلا ضد النشطاء وأصحاب الآراء المعارضة الذين يسعون إلى تعزيز قيم حقوق الإنسان وتطبيق الديموقراطية، مهما كلف الأمر.
اللافت للنظر، أن تكلفة هذه البرامج ضخمة للغاية، في بعض الأحيان تساوي ميزانيات دول بأكملها، فما الذي يدفع الأنظمة أن تهدر كل هذه الأموال مقابل الحصول على معلومات خاصة وصور شخصية وتحركات اجتماعية لمعارضين ونشطاء؟ ما الخطر الذي يمكن أن يشكله رأي معارض يسعى للإصلاح!
إن استخدام مثل هذه التكنولوجيا جريمة كبرى ضد حرية الرأي والتعبير، وانتهاك جسيم للخصوصية التي تحميها القوانين والمواثيق والدولية، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ تدابير فعالة وجادة قبل السماح للأنظمة والحكومات باستخدامها ضد شعوبهم.
بدورنا نتساءل، متى ستنتهي القبضة الأمنية الشرسة التي تتعامل بها السلطات السعودية مع حرية الرأي والتعبير؟ متى سيظل المسؤولون أصحاب المناصب الرفيعة والنفوذ يتمتعون بالإفلات من العقاب على كل تلك الجرائم التي وصلت حد استهداف المواطنين في عُقر دارهم وانتهاك أبسط حقوقهم: الخصوصية!