إلى متى ستظل المصالح التجارية أهم من حقوق الإنسان؟
عبرت منظمة “معاً من أجل العدالة” عن صدمتها الشديدة حيال الوثائق الأخيرة التي نشرتها قاعدة بيانات تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)، التابعة لوزارة العدل الأمريكية، والتي كشفت عن عقد شراكة بين السلطات السعودية وشركة علاقات عامة أمريكية بهدف الترويج للنظام وتحسين صورته في الولايات المتحدة.
العقد الذي نشرته الوكالة، بموجب قانون يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، بين أن الشركة المُشار إليها هي برايم تايم ميديا (Prime Time Media, LLC)، وقد بلغت قيمة العقد 1.6 مليون دولار لغرض إنشاء محتوى ترويجي بالإنجليزية وبث أخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي للدعاية للنظام.
وبحسب الوثائق، فإن الشركة الأمريكية التي تقع في شارع ماساتشوستس بواشنطن العاصمة ستقوم بالتعاون مع شركة سعودية هي من مثلت النظام السعودي، وهي الشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية) ومقرها قرطبة الرياض، والتي تعد إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وقد تأسست بمرسوم ملكي؛ للمساهمة في التنويع الاقتصادي بما يتواكب مع احتياجات الاقتصاد -بحسب ما جاء في اتفاقية إنشائها.
سمعة النظام السعودي التي لم يعد يخفى على أحد مدى سوئها الآن بسبب الانتهاكات المتزايدة ضد حقوق الإنسان، التي صاحبت صعود ولي العهد الحالي ولا زالت مستمرة، ومع ذلك، وبالرغم من المطالبات المستمرة بوقف التعاون مع هذا النظام حتى يضمن تحسين أوضاع حقوق الإنسان، قامت الشركة الأمريكية بقبول عقد الشراكة لتحسين صورته وتبييض جرائمه في تفضيل واضح للمصالح التجارية على الإنسانية.
بكل أسف، لم تكن هذه هي الشراكة الدولية الوحيدة مع النظام السعودي بهدف التغطية على جرائمه وتبييض صورته، إنما سخر النظام على مدار الأعوام الماضية شركات وشخصيات فرنسية؛ لتحسين صورة المملكة عالمياً، وتبييض سمعة ولي العهد الذي تربطه علاقات قوية بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولعل هذا ما يفسر الصمت السعودي تجاه الإساءة للرسول والحملات العنصرية التي شنها ماكرون ضد المسلمين، بل أعلن بن سلمان تأييده لعزم الرئيس ماكرون على مراقبة حج المسلمين الفرنسيين إلى مكة المكرمة.
وبحسب تقرير لموقع “ميديا بارت” الفرنسي، أبرم محمد بن سلمان شراكة مع وكالة “هافاس” للعلاقات العامة منذ عام 2016 من أجل الترويج له شخصياً ولتبييض جرائمه، وتحسين صورته في الإعلام الغربي، وأوضح التقرير أن الجهة التي مثلت السعودية وفوضت “هافاس” هي مؤسسة “مسك” التي أنشأت عام 2011 بقرار من ولي العهد محمد بن سلمان شخصيا.
وأضاف التقرير أن مستشارة رئيس الحكومة الفرنسي ومستشارة الرئيس ماكرون ميادة بولوس، قادت بنفسها حملة ترويج في فرنسا لصالح بن سلمان بالشراكة مع وكالة “هافاس” قبل أن تنتقل للعمل مع رئيس الوزراء الفرنسي عام 2020.
بالإضافة إلى ذلك، هناك ذراع أقوى للنظام السعودي في فرنسا، المتمثل في شركة الاتصالات العملاقة “بابليسيس”، التي وقعت عقدة عقود مع المملكة للتسويق لقيادتها الحالية في فرنسا، وتولت تنظيم عدة لقاءات صحفية ومؤتمرات بين صحفيين ووزير الخارجية عادل الجبير والناطق الرسمي باسم التحالف السعودي الإماراتي في اليمن أحمد العسيري، وأنشطة أخرى لدعم النظام السعودي، وكل هذا بهدف التغطية على الدور الدموي للسعودية في حرب اليمن التي تشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم بحسب توصيف الأمم المتحدة بالإضافة إلى جريمة مقتل خاشقجي الذي أظهرت تقارير استخباراتية أمريكية تورط ولي العهد بصورة مباشرة فيها.
وتهدف تلك الشركة إلى تلميع صورة النظام السعودي على مستوى كبرى العواصم العالمية -بينها واشنطن مرورا بكل من بروكسل وباريس- مقابل أموال طائلة.
إننا نطالب كافة الحكومات والمؤسسات التجارية والإعلامية الكبرى بوقف التعاون الاقتصادي والعسكري مع النظام السعودي حتى يضمن تحسين أوضاع حقوق الإنسان ويظهر دلالات واضحة على نيته لمحاسبة كافة المتورطين في الانتهاكات التي لحقت بالمعارضين وعائلاتهم، وحتى يتم الإفراج عن معتقلي الرأي الذين يتزايد عددهم داخل السجون السعودية كل يوم.