تقارير

اغتيال خاشقجي: الذكرى السنوية لغياب العدالة والإفلات من العقاب

تمر اليوم الذكرى السنوية الخامسة على جريمة الاغتيال الوحشية التي فقد فيها الصحفي السعودي جمال خاشقجي حياته، وفقدت فيها الأوساط الحقوقية والإعلامية مناضلًا وفارسًا دفع حياته ثمنًا لدفاعه عن حقوق الإنسان وحبه لوطنه الذي لم يرد إلا أن يصبح منارة للتقدم والازدهار حول العالم.

في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات، دخل جمال خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنبول للحصول على بعض الأوراق اللازمة زواجه من التركية خديجة جنكيز، والتي كانت تنتظره خارج السفارة، لكنه لم يخرج أبدًا، لا حيًا ولا ميتًا، لقد قُتل على يد فرقة اغتيال تابعة للحكومة السعودية وقُطعت أوصاله بمنشار عظام، واختفى رفاته دون تسليمه إلى أسرته التي حُرمت من إلقاء النظرة الأخيرة عليه، وُحرم هو من أن يُدفن بطريقة تليق به.

اغتيال خاشقجي تسبب في موجة غضب عالمية وانتقادات واسعة النطاق للقيادة السعودية، وبدأ المستثمرون الأجانب في سحب استثماراتهم من البلاد، كما أعلنت العديد من الحكومات والأنظمة مقاطعة النظام السعودي أو تقليل التعاون معه، على بما فيهم الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن الذي تعهد بجعل قتلة خاشقجي يدفعون الثمن وعلى رأسهم ولي العهد نفسه، خاصة وأن تحقيقات الاستخبارات الأمريكية في الواقعة أكدت تورط بن سلمان في الجريمة.

هذه التصريحات العنترية والمواقف التي اتخذتها الدول أعطت أملًا قويًا في أن حق خاشقجي سيعود وأن القتلة سينالون عقابهم، لكن ما حدث فعليًا على أرض الواقع قتل كل ذرة أمل في أن تتحقق العدالة بأي شكل من الأشكال، لخاشقجي أو لغيره من الضحايا.

لم تمر أشهر حتى بدأت الدول في إعادة التعاون مع السلطات السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان، الذي بدوره قدم الكثير من المغريات المالية لشراء هذا التعاون، وضخ الملايين في اقتصاد هذه البلدان، سواء عبر الاستثمار التجاري، أو الغسيل الرياضي الذي كرست له السعودية جهودًا غير مسبوقة في تاريخها وفي العالم بأسره، ثم جاء وباء كورونا وتبعه الغزو الروسي لأوكرانيا ليخدما محمد بن سلمان الذي يقود دولة تعتبر من أكبر مصدري النفط في العالم، وبسبب النفط قررت العديد من الدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة التخلي عن حقوق الإنسان مقابل الحصول على مصادر الطاقة بأسعار مناسبة.

التعاون مع بن سلمان لم يكن على المستوى الدبلوماسي العادي وحسب، الولايات المتحدة على سبيل المثال وتحت إدارة بايدن منحت بن سلمان الحصانة السيادية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لحمايته من المثول أمام القضاء في الدعاوى المدنية، وبالتالي لم توافق المحكمة على دعوى خديجة جنكيز ضد بن سلمان التي اتهمته فيها بالتدبير والمشاركة في اغتيال خطيبها جمال خاشقجي، سبق هذا القرار تعيين محمد بن سلمان رئيسًا للوزراء في السعودية، وبالتالي يصبح ذو منصب من حقه التمتع بالحصانة السيادية.

المملكة المتحدة ورغم كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام السعودي داخل وخارج حدوده، خاصة في اليمن باستخدام أسلحة بريطانية الصنع، وجهت دعوة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة المملكة المتحدة أواخر خريف العام الجاري، لتكون الزيارة الأولى له منذ اتهامه بالتورط في التخطيط لاغتيال الصحفي السعودي والمدافع عن حقوق الإنسان جمال خاشقجي.

إن هذه الخطوة هي انتهاك واضح وصريح من قبل حكومة المملكة المتحدة لحقوق الإنسان، وبمثابة الضوء الأخضر لمحمد بن سلمان ونظامه لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة مع الاطمئنان للإفلات التام من العقاب، فضلًا عن إن هذا الدعم يجعل من المملكة المتحدة شريكة في هذه الجرائم.

هذه الزيارة تؤكد أن المصالح الاقتصادية والتجارية تأتي في المرتبة الأولى، ويتم تفضيلها على حقوق الإنسان التي لم تعد قضية أساسية في محادثات الدول المختلفة، وحسب مطلعين على الأمر، فإن السعودية  تسعى إلى اجتذاب تصويت المملكة المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر لاستضافة معرض إكسبو 2030 في الرياض، في المقابل تتفاوض المملكة المتحدة على اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعد المملكة العربية السعودية عضوًا رئيسيًا فيها، وهي حريصة على عدم خسارة النظام السعودي باعتباره الشريك الرئيسي لأوروبا.

الجدير بالذكر أن هذه الدعوة ظهرت في وقت لا تزال تنتشر فيه انتقادات واسعة النطاق ضد محاولات السعودية فيما يُسمى بـ “الغسيل الرياضي”، الذي تمثل في الاستثمار في عدد من المجالات الرياضية للتغطية على جرائمها ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك استحواذها على نيوكاسل يونايتد، وشراء لاعبين عالميين للعب في الدوري السعودي، وصفقة الاندماج بين جولتي الجولف PGA و LIV الممولة سعوديًا، وهي صفقة يعارضها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بسبب انتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار.

لم تتعرض الحكومة السعودية، وأي من أفرادها، إلى عقوبة قانونية حقيقية من قبل المجتمع الدولي بسبب اغتيال خاشقجي، وغيرها من الجرائم المروعة الأخرى، باستثناء بعض الانتقادات والإدانات التي تعتبر حبر على ورق، كما لم تغير من موقف الحكومات والأنظمة المختلفة تجاه النظام السعودي، حيث لا يزالون متمسكون بالتعاون معه وتقديم الدعم المطلوب له: عسكرياً ودبلوماسياً.

إننا نشدد على ضرورة وقف التعاون الدولي مع النظام السعودي في أي جانب حتى يتم ضمان تحسين ملف حقوق الإنسان في المملكة، والإفراج عن معتقلي الرأي وفتح تحقيقات في الانتهاكات التي ارتكبت ضد المعارضين وعائلاتهم في الداخل والخارج، وكذلك وقف حرب اليمن، مع ضمان إحالة كافة المتورطين في هذه الجرائم للمساءلة القانونية، بما فيهم محمد بن سلمان شخصيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى