صحافة عالمية

تحقيق- انقلاب القصر: تفاصيل سيطرة محمد بن سلمان على السلطة (2)

التقرير كاملًا من المصدر باللغة الإنجليزية

يُعد سعد الجبري- مستشار محمد بن نايف وأقرب رجاله- من أقوى المصادر التي كشفت تفاصيل انقلاب القصر الذي نفذه محمد بن سلمان للإطاحة بمحمد بن نايف في سبيل السيطرة على السلطة والحكم، بخاصة أنه من تلقى رسائل نصية منه في ذلك اليوم.

الجبري (63 عامًا) كان يعمل منذ فترة طويلة في الظل، واعتبره الكثير ممن عملوا معه من أقوى رجال المملكة من خارج العائلة المالكة، حتى أن مسؤول أمريكي سابق عمل معه لسنوات قال عنه بأنه “حلقة الوصل العميقة بين المملكة العربية السعودية والقوى الغربية”.

في السنوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تدرج الجبري في رتب رفيعة وزارة الداخلية، وأصبح في النهاية رئيسًا لعمليات مكافحة الإرهاب، وعلى مدار السنوات، عمل الجبري جنبًا إلى جنب الأمير محمد بن نايف من أجل تحديث جهاز الأمن والمراقبة في المملكة.

ظهرت الرسائل النصية بين نايف والجبري لأول في المذكرات القانونية أمام محاكم أمريكا الشمالية وفي حكم الإنتربول الذي رفض طلبًا سعوديًا باعتقال الجبري من الخارج.

الرسائل الواردة في تلك الوثائق صُدق عليها من قبل خبير في الطب الشرعي الرقمي عينته شركة نورتون روز فولبرايت، شركة المحاماة الدولية التي تمثل الجبري، وفقًا لإفادات المحكمة، وقد أرسل فريق الجبري للغارديان عددًا قليلاً من الرسائل التي لم تُنشر من قبل.

على مدى عقود، انتقلت السلطة بين أبناء عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، بصورة ضمنت توازنًا دقيقًا للقوى بين مختلف فروع العائلة المالكة الواسعة، وبعد تعيين محمد بن نايف لولاية العهد، كان سيصبح أول حفيد يتولى العرش، لكن جاء انقلاب القصر – الذي لم يكتف بإبعاد المنافس الرئيسي لمحمد بن سلمان، بل دمر أيضًا نموذج الخلافة القديم الذي كان يحظى بتقدير الأقدمية والإجماع داخل الأسرة، من خلال إرساء انتقال السلطة مباشرة من الأب إلى الابن داخل فرع واحد من العائلة، ومكن هذا الانقلاب محمد بن سلمان من اكتساب سلطة أكبر من أي حاكم سابق، حتى قبل أن يتولى العرش رسميًا.

كان الانقلاب تتويجا لشهور من العداء بين محمد بن سلمان ومحمد بن نايف، كانت إحدى نقاط الصراع الرئيسية هي تنافسهم لكسب التأييد من قبل الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب.

يقول أشخاص مقربون من محمد بن نايف إنه كان يستمع سرًا لمكالمات محمد بن سلمان مع مساعديه وحلفائه مثل جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشار البيت الأبيض، مما ساعده في تتبع مفاوضات محمد بن سلمان في واشنطن.

أشارت نسخة من مكالمة تجسس عليها نايف وفريقه ربيع عام 2017، والتي عرضها نايف على الجبري، إلى أن محمد بن سلمان كان يناقش الخلافة الملكية مع كوشنر، وفي تلك المكالمة، أخبر محمد بن سلمان كوشنر أنه أقام علاقات وثيقة مع جميع الوكالات الأمريكية “باستثناء ثلاث”.

عندما استمع الجبري إلى المكالمة، قال إن الوكالات الثلاث تعني وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي – المؤسسات التي اعتبرت محمد بن نايف المفضل لديها منذ عقود، وبالنسبة للجبري ولرئيسه، كان من الواضح أن محمد بن سلمان يحاول تعزيز الدعم الأمريكي لخلافته.

في مايو/أيار 2017، حاول محمد بن نايف شق طريقه في البيت الأبيض في عهد ترامب، وعين شركة Sonoran Policy Group ، وهي شركة ضغط في واشنطن لها علاقات وثيقة بفريق ترامب، إذ اختار بن نايف شركة Sonoran – التي تم تغيير اسمها منذ ذلك الحين إلى ستريك للدبلوماسية العالمية على اسم رئيسها، عضو اللوبي روبرت ستريك – لتقديم “خدمات استشارية واسعة” في وزارة الداخلية التابعة له في واشنطن.

قال أشخاص مقربون منه إن بن نايف فهم أن سجله السابق لم يكن له تأثير كبير مع ترامب، الرئيس غير التقليدي الذي سيستمر في علاقة متوترة مع مجتمع المخابرات الأمريكي، لذلك أراد نايف إقناع الرئيس الجديد بأنه ليس مجرد شريك طويل الأمد، ولكنه أكثر قيمة من ابن عمه.

وحسب المصادر، شارك الجبري بشكل مباشر في التفاوض على عقد ضغط بقيمة 5.4 مليون دولار نيابة عن الوزارة.

مع انتشار خبر العقد، خشي الجبري من التورط في الخلاف الدائر بين الأميرين، لذلك قرر في مايو/أيار 2017، السفر بهدوء إلى تركيا، قبل أيام قليلة من زيارة ترامب للرياض.

كانت مخاوف الجبري مبررة خاصة أنه وبعد فترة وجيزة من مغادرته، قال الجبري إنه تلقى خبرًا مفاده أن الموقع الرئيسي على العقد – ضابط المخابرات السرية تحت قيادة بن نايف – احتجز من قبل الموالين لمحمد بن سلمان وتعرض للاستجواب المكثف بشأن هذا العقد.

في 4 يونيو/حزيران 2017، أرسل الجبري رسالة نصية إلى عبد العزيز الهويريني، وهو مسؤول أمني مخضرم، ليسأله عما إذا كان يجب أن يستمر في “الصيام في البرد”، في إشارة مشفرة للبقاء في تركيا، ورد هوريني، الذي يعمل الآن تحت إشراف محمد بن سلمان، بأنه يجب عليه البقاء هناك.

في 17 يونيو/حزيران، أرسل الهويريني رسالة نصية أخرى إلى الجبري، يحذره فيها من أن الموالين لمحمد بن سلمان “يسعون بقوة” لاعتقاله أيضًا، وفي غضون ذلك، أجبرت المعارضة الغاضبة من محمد بن سلمان محمد بن نايف على إلغاء عقد ستريك، وبحسب الجبري، حذره محمد بن نايف من أن محمد بن سلمان قد رأى العقد على أنه مؤامرة لنسف علاقته مع عائلة ترامب.

في 18 يونيو/حزيران، تلقى الجبري رسالة نصية مفاجئة من محمد بن سلمان، يطلب منه العودة إلى المملكة العربية السعودية للمساعدة في حل “صراعات” غير محددة مع محمد بن نايف، إذ كتب محمد بن سلمان بصيغة ودية بشكل غير عادي: “لا أعتقد أن هناك من يفهم محمد بن نايف أفضل منك”.

العلاقة بين محمد بن سلمان وسعد الجبري كانت متوترة منذ عام 2015، عندما طرد الملك سلمان، بناءً على طلب الأمير على ما يبدو، الجبري من منصبه بسبب المقابلة السرية التي جرت بين الجبري وبين مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك جون برينان ووزير الخارجية البريطاني آنذاك فيليب هاموند دون علم الملك.

ومع ذلك، واصل الجبري العمل مع نايف بشكل غير رسمي، معتبرًا إقالته إحدى محاولات محمد بن سلمان العديدة لإضعاف بن نايف، وتابع محمد بن سلمان في رسائله المثيرة للشبهات: “دعنا ننسى الماضي… نحن أبناء اليوم… سامحني وبرء ذمتي أمام الله… متى ستعود؟”، لكن الجبري اعتذر عن العودة بحجة البقاء في الخارج للعلاج، وبعد يومين فقط نفذ محمد بن سلمان الانقلاب الذي أطاح بمحمد بن نايف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى