تقرير: جامعات أمريكية تتلق الملايين من السعودية رُغم مقتل خاشقجي
هذا التقرير مترجم عن Responsible Statecraft
على الرغم من الضغوط الحقوقية المتواصلة لقطع العلاقات مع السعودية، انتشرت تقارير صادمة عن تلقي الجامعات الأمريكية أموالاً من الرياض أكثر من أي وقت مضى في تجاهل تام لكل الانتهاكات والجرائم المروعة التي ترتكبها المملكة الخليجية ضد حقوق الإنسان.
مرت أربع سنوات على مقتل المعارض السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول بأوامر مباشرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حسبما خلصت التحقيقات الأممية وتقارير الاستخبارات الأمريكية.
أدى الاغتيال المروع إلى الضغط على المؤسسات والحكومات التي لها صلات بالمملكة لإعادة التفكير في هذه العلاقات، وبخاصة الجامعات الأمريكية، التي قبلت ملايين الدولارات من المملكة العربية السعودية بدعوى المساعدة في إنشاء ودعم مراكز البحوث والمنح الدراسية، ومتابعة الشراكات.
لكن المفارقة أنه بدلًا من أن تعيد هذه الكيانات التعليمية التفكير في علاقاتها مع السعودية واتخاذ موقف حاسم لإجبارها على احترام حقوق الإنسان، زاد التمويل السعودي للجامعات الأمريكية، بل وتضاعف منذ مقتل خاشقجي.
يكشف تحليل سجلات وزارة التعليم أن المملكة العربية السعودية لا تزال واحدة من أكبر مصادر التمويل الأجنبي للجامعات الأمريكية، في عام 2019 على سبيل المثال، قدم المانحون السعوديون أكثر من 270 مليون دولار لهذه المؤسسات، ليرتفع من 165 مليون دولار في العام الذي سبقه.
وحسب التقارير، منذ مقتل خاشقجي قبلت 144 من الكليات والجامعات الأمريكية مبلغًا قدره 440 مليون دولار من التمويل السعودي، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تأخذ في الاعتبار العقود التي بدأت بعد مقتل خاشقجي ولكن لم يتم سدادها، وهو رقم ضخم يبلغ تقريبًا حوالي 700 مليون دولار.
وحسب محللون، فإن هذه الأرقام تكشف أنه بمجرد أن ابتعد التركيز العالمي عن قضية مقتل خاشقجي، واصلت إدارات الجامعات بهدوء استقبال الأموال من المملكة الخليجية ضاربين بحقوق الإنسان عرض الحائط.
من بين الجامعات التي لها علاقة وطيدة بالمملكة العربية السعودية: معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو أحد أكبر المتلقين للأموال السعودية، وكان محمد بن سلمان قد زار المعهد قبل أشهر فقط من مقتل خاشقجي، وكان من بين حاشيته ماهر مطرب، الذي، بحسب الحكومة الأمريكية، “نسق ونفذ” عملية قتل خاشقجي.
رداً على جريمة القتل، وصف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اختفاء خاشقجي بأنه “مصدر قلق بالغ” وأعلن عن مراجعة رسمية لشراكته مع المملكة العربية السعودية، لكن لم يتخط الأمر كونه مجرد “مراجعة”، فبعد صدور التحقيق الرسمي بعد بضعة أشهر، ورغم نتائج التحقيقات التي تشير بأصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي وحاشيته، قرر المعهد في النهاية عدم قطع العلاقات مع المملكة، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بإنشاء قسم بعنوان “ارتباطات جديدة محتملة”.
حول هذا القرار أرسل رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رسالة بريد إلكتروني يشرح فيها الموقف قائلًا:
“أعرف أن الكثير منكم يجدون سلوك النظام السعودي مروعًا للغاية لدرجة أنك تعتقد أن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يجب أن يقطع على الفور جميع العلاقات مع أي كيانات حكومية سعودية … ومع ذلك، فإن تجربتي تقودني إلى رؤية ارتباطاتنا السعودية بشكل مختلف، وبالتالي أعتقد أن قطع هذه العلاقات الطويلة الأمد التي يقودها أعضاء هيئة التدريس فجأة في منتصف الطريق ليست أفضل مسار للعمل “.
منذ ذلك الحين، قبل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ما يقرب من 17 مليون دولار من المملكة العربية السعودية، وفقًا لسجلات وزارة التعليم.
في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى “Responsible Statecraft ” قال متحدث باسم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن المعهد يواصل متابعة عملية المراجعة فيما يتعلق بـ “النظر في المشاركات المقترحة مع أشخاص أو كيانات في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة العربية السعودية”. (الدولتان الأخريين هما روسيا والصين)
زار محمد بن سلمان أيضًا جامعة هارفارد، وهي متلق رئيسي آخر للتمويل السعودي، وكالعادة أُرسلت مناشدات كثيرة لإدارة الجامعة بقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية لكن دون جدوى.
ناشدت صحيفة The Crimson الطلابية بجامعة هارفارد إدارتها: “من خلال الارتباط بالنظام السعودي، فإن جامعة هارفارد – إحدى أفضل الجامعات في العالم – تخاطر بإضفاء الشرعية على الطبيعة الاستبدادية للنظام والسياسات الوحشية التي ينفذها خارج البلاد.”
في ذلك الوقت، قال متحدث باسم جامعة هارفارد إن الجامعة “تتابع بقلق الأحداث الأخيرة” و “تقيم الآثار المحتملة على البرامج الحالية”، ومع ذلك، ومنذ ذلك الحين وافقت جامعة هارفارد على أكثر من 8 ملايين دولار من عقود الهدايا من المملكة العربية السعودية والتي لم يتم سدادها بعد، والتي بدأت الغالبية العظمى منها في عامي 2020 و2021.
ربما لم يعد محمد بن سلمان يتلقى دعوات لزيارة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد، لكن هذه الجامعات تواصل قبول الشيكات من المملكة، وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، لا تزال المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الممولين الأجانب للتعليم.
في عام 2016، وقعت كلية هنري سي لي للعدالة الجنائية وعلوم الطب الشرعي بجامعة نيو هافن شراكة مع كلية الملك فهد الأمنية، وهي كلية شرطة مقرها الرياض، وبموجب الاتفاقية، سيقدم خبراء من الأمم المتحدة المشورة لنظرائهم السعوديين بشأن العدالة الجنائية، والأمن الداخلي، والدراسات الاستخباراتية.
قال رئيس الأمم المتحدة في ذلك الوقت: “نحن متحمسون لوضع برامج جامعة نيو هافن ذات الشهرة العالمية في دراسات العدالة الجنائية والأمن القومي وعلوم الطب الشرعي في خدمة الجيل القادم من المتخصصين في مجال الأمن في المملكة العربية السعودية”.
بعد مقتل خاشقجي، خضعت شراكة الأمم المتحدة وكلية الملك فهد للتمحيص بعد أن أثيرت أسئلة حول خطورة هذه العلاقة؛ بخاصة وأن صالح الطبيقي، الرجل الذي يعتقد أنه نفذ عملية الاغتيال، كان ضمن هيئة تحرير المجلة التي تصدرها كلية الملك فهد الأمنية إلى جانب هنري سي لي، لكن الجامعة قالت إن هذا مجرد تشابه في الأسماء، وأن الذي يعمل لديها “صالح طبيقي” مختلفًا، رغم ذلك قامت بحذف اسمه من موقع التحرير على الانترنت (مع الإشارة أن مصادر تؤكد أنه لا يزال عضوًا في مجلس الإدارة”.
انتهى العقد في عام 2021، وعندما سألتResponsible Statecraft عن سبب عدم تجديده، ذكر مساعد عميد الكلية، دانيال مابري، عدة أسباب لكن لم يكن من بينها: خاشقجي، بل قال: “لقد كان عقدًا محدد المدة…أنجزنا جميع الأهداف التي كنا نرمي إليها.. ثم جاءت الجائحة، لم تكن هناك حاجة للتجديد “.
اللافت للنظر أنه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قطع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العلاقات مع جامعة بحثية في موسكو ساعدت في تأسيسها، وقال ريف في بيان “هذه الخطوة هي رفض للحكومة الروسية في أوكرانيا.
وبالمثل، أنهت جامعة ييل، الوجهة الأولى للسعودية التي تضم مركزًا قانونيًا بتمويل من رجل الأعمال السعودي عبد الله كامل، شراكة مع كلية إدارة الأعمال في روسيا في مارس/آذار 2022.
السعودية لديها الكثير لتكسبه من تمويل الجامعات الأمريكية، وفقًا لمايكل سوكولوف، الكاتب المساهم في مجلة New York Times Magazine ، والذي قال إن “الدخول إلى معاهد وجامعات مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يعمل على تلميع صورة المملكة…. المملكة العربية السعودية هي ملكية مطلقة، ينتشر فيها قمع الحريات والتضييق على الصحافة… لكن ارتباطاتها خارج حدودها يمكن أن تجعلها تبدو وكأنها أمة غربية متقدمة “.
من جانبه، قال رائد جرار، مدير المناصرة في منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن، لموقع Responsible Statecraft ، إن الزيادة في التمويل السعودي في الجامعات الأمريكية تأتي أكثر بسبب مقتل جمال خاشقجي وليس على الرغم من ذلك، مضيفًا “الحكومة السعودية، ولا سيما محمد بن سلمان، تدرك أنها في ورطة… في نظرهم كان الحل للتداعيات وأزمة العلاقات العامة اللاحقة لمقتلهم جمال خاشقجي هو شراء الصمت بالأموال بدلًا من محاسبة المسؤولين عن الاغتيال”.
يعد التأثير السعودي في التعليم العالي الأمريكي أيضًا جزءًا رئيسيًا من عملية التأثير الأكبر للمملكة في الولايات المتحدة والتي تشمل أيضًا الضغط والعلاقات العامة والغسيل الرياضي وحتى تنمية العلاقات مع هوليوود وصناعة الترفيه.
وحسب الخبراء والمحللين، لن تقطع هذه الكيانات العلمية علاقتها مع المملكة بعد القرار الأخير المتعلق بالنفط رُغم أنه أغضب الإدارة الأمريكية وجو بايدن على وجه الخصوص.
حول ذلك قال عبد الله العودة -مدير الأبحاث في منظمة DAWN: “لم تتوقف الجامعات عن أخذ الأموال بعد مقتل خاشقجي، والحرب في اليمن، والحصار المفروض على قطر، وكل الفظائع في الداخل والخارج، وعليه لن تتوقف بسبب النفط”.