صحافة عالمية

خمس سنوات على اغتيال خاشقجي: العدالة لم تتحقق والقضية والحقيقة الكاملة لم تظهر بعد

ترجمة عن واشنطن بوست

مع اقتراب الذكرى الخامسة لمقتل الصحفي السعودي بواشنطن بوست والمعارض البارز جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال تابعة للنظام السعودي، لا تزال العدالة غائبة، كما لا تزال القضية مفتوحة، إغلاق القضية لا يعني أحكام تصدر من المحكمة، الإغلاق يعني كشف الحقيقة كاملة ومحاكمة الجناة الحقيقيين بما فيهم ولي العهد محمد بن سلمان الذي كشفت تقارير استخباراتية إشرافه على العملية.

في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، تم استدراج خاشقجي إلى القنصلية السعودية في إسطنبول عبر إخباره بإصدار بعض الأوراق التي يحتاجها للسماح له بالزواج من خطيبته التركية، خديجة جنكيز، دخل القنصلية ولم يخرج منها أبدًا.

في الداخل، تم خنقه وتقطيع جثته بمنشار العظام على يد فرقة سعودية ضمت 15 عضوًا، منهم سبعة أعضاء من الحراس الشخصيين الشخصية لولي العهد ومسؤولين من المركز السعودي للدراسات والشؤون الإعلامية الذي كان يرأسه آنذاك سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد.

عندما أنجزوا مهمتهم القذرة، تسللوا إلى خارج تركيا، واختفى أي أثر لخاشقجي ولم تتسلم أسرته حتى يومنا هذا رفات جثته، كما لم يذكر السعوديون ما فعلوه بالجثة وأين هي الآن، وبالتالي حرموا عائلة خاشقجي وأصدقائه ومؤيديه من فرصة دفنه بشكل لائق وكريم.

خلصت الاستخبارات الأمريكية إلى أن ولي العهد وافق على مهمة “القبض على خاشقجي أو قتله”، وحسب التقرير الصادر عام 2021 “على الرغم من أن المسؤولين السعوديين قد خططوا مسبقًا لعملية غير محددة ضد خاشقجي، إلا أننا لا نعرف إلى أي مدى قرر المسؤولون السعوديون إيذاءه مقدمًا”، وحتى اللحظة لم يعرف الجمهور حقيقة ما حدث.

جرت محاكمة لعدد من أعضاء الفريق في السعودية، وصفها البعض بأنها “استهزاء بالعدالة”، إذ أنه في ديسمبر/كانون الأول 2019، حكمت المحكمة الجزائية بالرياض على خمسة أشخاص بالإعدام بتهمة القتل؛ وتلقى ثلاثة آخرون أحكاماً بالسجن يصل مجموعها إلى 24 عاماً، وتمت تبرئة ثلاثة أشخاص، من بينهم نائب رئيس المخابرات السعودية السابق أحمد العسيري، الذي حددته المخابرات الأمريكية على أنه أحد المتورطين.

أما سعود القحطاني فقد تم التحقيق معه من قبل النيابة العامة السعودية، ولكن لم توجه إليه أي تهمة، وفي سبتمبر/أيلول 2020، تم تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق الخمسة إلى السجن 20 عامًا، ثم أعلنت السلطات السعودية أن القضية أُغلقت.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خرج في لقاء قبل فترة قصيرة مع فوكس نيوز أذيعت في 20 سبتمبر/أيلول، وتحدث عن الجريمة كما لو أنه طرفًا خارجيًا لا علاقة له بما حدث، ووصف جريمة القتل النكراء تلك بأنها “خطأ”، وأضاف: “نحاول إصلاح النظام الأمني للتأكد من عدم تكرار هذا النوع من الأخطاء، على مدار السنوات الماضية لم يحدث هذا الأمر في بلادنا.. إنه ليس جزءًا مما تفعله السعودية”.

كما تطرق ولي العهد إلى مسألة الأحكام القضائية وقال إنه توجد قوانين معيبة في البلاد، لكنه لم يعلق عليها جميعًا ولم يتحدث عن خطته لإصلاح هذه “العيوب”.

في أغسطس/آب الماضي، حكم القضاء السعودي على سلمى الشهاب، وهي أم لطفلين، بالسجن لمدة 34 عاما، ثم تم تخفيف الحكم فيما بعد إلى 27 عاما، جريمتها كانت كتابة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، و”دعم أولئك الذين يسعون إلى الإخلال بالنظام العام” لدفاعها عن الناشطة في مجال حقوق المرأة لجين الهذلول وغيرها من سجناء الرأي.

وفي إحدى القضايا في يوليو/تموز، حُكم على محمد الغامدي، وهو مدرس متقاعد، بالإعدام لإدلائه بتصريحات تنتقد العائلة المالكة السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد اتُهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب بـ “وصف الملك أو ولي العهد بطريقة تسيء إلى الدين أو العدالة” ودعم “أيديولوجية إرهابية”.

وعندما سئل على قناة فوكس نيوز عن حكم الإعدام الصادر ضد الغامدي، أجاب محمد بن سلمان: “لسنا سعداء بذلك… أشعر بالخجل.. لكن في ظل نظام هيئة المحلفين، عليك أن تتبع القوانين، ولا أستطيع أن أقول للقاضي: “افعل ذلك وتجاهل القانون”، لأن … هذا مخالف لسيادة القانون. لكن هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم. هل نحاول تغييرها؟ نعم.”

اللافت في الأمر أن حكم الإعدام الصادر ضد الغامدي صدر بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 الذي وضعه ولي العهد نفسه… هذه هي دكتاتوريته.

 وصف فريد هيات، محرر الصفحة الافتتاحية لصحيفة The Post في ذلك الوقت، ما حدث بأنه “عمل وحشي لا يمكن فهمه”، وكتب عموداً بعنوان “لماذا أحضر منشار العظام إلى عملية الاختطاف يا صاحب السمو؟”!

ووصفت أعمدة خاشقجي في صحيفة واشنطن بوست المملكة العربية السعودية في عهد محمد بن سلمان، بأنها “لا تطاق” وكان يرى أن هناك أوجه تشابه بين بن سلمان وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

اغتيال خاشقجي وضع السعودية في مأزق دبلوماسي لسنوات، حتى أن جو بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بمعاقبة المسؤولين عن الجريمة وجعل السعودية “منبوذة”، لكنه تراجع عن كل هذا وزار السعودية في يوليو/تموز 2022، ليظهر أن “القيم الأمريكية قابلة للتفاوض”، كما قال كتب فريد رايان في أحد أعمدته في واشنطن بوست.

يقول بايدن إنه تلقى تعهدات من السلطات السعودية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكن بعد مغادرته، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في المملكة العربية السعودية سلسلة من أحكام السجن القاسية ضد منتقدي النظام، وفي الشهر الماضي، حكمت المحكمة على طالبة المرحلة الثانوية البالغة من العمر 18 عامًا، منال الغفيري، بالسجن لمدة 18 عامًا وحظر السفر بنفس المدة بسبب تغريداتها الداعمة لسجناء الرأي.

وفي الوقت نفسه، قتل حرس الحدود السعودي مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود اليمنية السعودية، والآن يتفاوض ولي العهد مع إدارة بايدن بشأن اتفاقية دفاع – وإنشاء محطة طاقة نووية مدنية على الأراضي السعودية – مقابل التطبيع مع إسرائيل.

لقد سرق محمد بن سلمان جمال خاشقجي من عائلته وأصدقائه وزملائه؛ ونجا من المساءلة عن مقتله؛ ويستمر في تعذيب السعوديين المعارضين، لا يجب أن تُنسى هذه الجرائم وعلى المجتمع الدولي عدم قبول “تبرئة” النظام السعودي من هذه الفظاعات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى