
يتكرر المشهد ذاته من الاستغلال والظلم بحق العمال الوافدين في السعودية، حيث تتكشف مأساة جديدة لمئات العاملين في شركة “سندان العالمية للتصنيع والتوريد” الذين حُرموا من رواتبهم لما يقارب ثمانية أشهر، بينهم من عمل في مواقع مشاريع تديرها شركة النفط الحكومية العملاقة “أرامكو”. العمال القادمون من نيبال وبنغلاديش والهند عالقون اليوم بلا أجور، يواجهون أوضاعًا معيشية قاسية، ويُجبرون على البقاء في البلاد بصورة غير قانونية أو العودة إلى أوطانهم على نفقتهم الخاصة، متروكين خلفهم حقوقهم ومستحقاتهم التي التهمها النظام وشركاته المتعاقدة.
هذه المأساة تمثل حلقة جديدة ضمن منظومة متكاملة من الاستغلال. في الوقت الذي تتباهى فيه السعودية بمشروعاتها العملاقة لبناء 11 ملعبًا استعدادًا لكأس العالم 2034، تتوسع رقعة الانتهاكات بحق العمال الذين يشيدون هذا الوهم البراق. المفارقة الصارخة أن “أرامكو”، الشريك العالمي الرئيس للفيفا، تلتزم الصمت أمام مأساة هؤلاء العمال الذين حُرموا من رواتبهم لأشهر طويلة، لتظهر كما لو كانت كيانًا محصنًا ضد المساءلة. غياب التحرك الجاد من جانب السلطات يؤكد أن النظام يمنح غطاءً كاملاً للشركات المتورطة في نهب حقوق العمال، بينما يُترك المهاجرون لمواجهة الجوع والعوز واليأس بمفردهم.
العمال الذين أُجريت معهم مقابلات وصفوا أوضاعًا أقرب إلى العبودية: طعام غير صالح للأكل، سكن سيئ، وحرمان من المستلزمات الأساسية. أحد العمال النيباليين قال إنهم “يأكلون الأرز والعدس فقط، ولا يملكون ثمن معجون الأسنان أو الشامبو”. آخرون تحدثوا عن معاناة أسرهم في بلدانهم الأصلية بعد انقطاع تحويلاتهم المالية وعجزهم عن سداد ديون الاستقدام التي فرضها سماسرة التشغيل. بعضهم اضطر للهروب والعمل بشكل غير نظامي رغم خطر الاعتقال والترحيل، فيما لجأ آخرون إلى الاحتجاج أو نشر شكواهم على وسائل التواصل الاجتماعي رغم حظر الاحتجاجات في السعودية.
وبينما أغلقت شركة “سندان” أبوابها، تظل “أرامكو” مسؤولة قانونيًا وأخلاقيًا عن العمال الذين عملوا في مواقعها، لكنها لم تتخذ أي خطوة لضمان حصولهم على حقوقهم أو تعويضهم عبر برامج حكومية أو صناديق تأمين. وزارة الموارد البشرية اكتفت بإصدار بيان غامض حول “اتخاذ إجراءات تصحيحية” دون ذكر عدد المتضررين أو نتائج المتابعة، ما يؤكد أن ما يُسمى بنظام “حماية الأجور” ليس سوى واجهة إعلامية لا تحمي أحدًا.
حتى آلية “تأمين الأجور” التي أطلقتها السلطات في أكتوبر 2024، والمفترض أن توفر تعويضات للعمال عند امتناع الشركات عن الدفع، جاءت مليئة بالثغرات والقيود: لا يمكن للعامل التقدم بطلب تعويض إلا بعد مرور ستة أشهر على انقطاع الأجر، وإذا كانت نسبة المتضررين في الشركة تتجاوز 80%، ما يعني عمليًا أن أغلب الضحايا يُستبعدون من الحماية. وحتى أولئك المؤهلين، كعمال شركة سندان، يخشون المطالبة بحقوقهم خوفًا من الانتقام أو الترحيل.
تلك الوقائع تعكس الطبيعة الحقيقية للنظام السعودي الذي يروّج نفسه كوجهٍ حديثٍ للعالم، بينما يستمر في بناء اقتصاده على الاستغلال الممنهج والعبودية الحديثة. فبدلًا من تطبيق إصلاحات حقيقية، تكتفي السلطات بعمليات تجميل إعلامية لتبييض صورتها أمام المجتمع الدولي، فيما تبقى مئات القصص من الظلم والانتهاك بلا مساءلة أو تعويض.
تدين معًا من أجل العدالة بشدة استمرار سرقة أجور العمال الوافدين في السعودية، وتحمل النظام السعودي وشركة أرامكو المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم التي تمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ولقوانين العمل الدولية. وتطالب المنظمة بتحقيق عاجل وشفاف حول الانتهاكات التي طالت عمال شركة “سندان العالمية”، وضمان صرف جميع الأجور والمستحقات المتأخرة فورًا، مع تعويض المتضررين عن الأضرار التي لحقت بهم. كما تدعو معًا من أجل العدالة الفيفا وجميع الهيئات الرياضية والشركات العالمية إلى مراجعة علاقاتها مع النظام السعودي الذي يبني دعايته الرياضية على أنقاض حقوق الإنسان. إن الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم ليس حيادًا، بل تواطؤ يشرعن العبودية الحديثة في ثوبٍ نفطيّ جديد.