حياة الشيخ سلمان العودة في خطر والمجتمع الدولي مطالب بتدخل فوري لإنقاذه

تتابع منظمة معًا من أجل العدالة بقلق بالغ استمرار الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الداعية والمفكر الإصلاحي الدكتور سلمان العودة، والتي تسببت في تدهور خطير لحالته الصحية داخل السجن، حيث كشف نجله عبد الله العودة أن والده يكاد يفقد البصر في إحدى عينيه بالكامل نتيجة الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز القاسية، مؤكدًا أن استمرار عزله في زنزانة انفرادية معظم فترة اعتقاله يشكل في حد ذاته أحد أشكال التعذيب المحظور وفق القانون الدولي. ورغم هذه الظروف المأساوية، أشار نجله إلى أن الشيخ العودة لا يزال صامدًا، يقضي وقته في قراءة القرآن والصلاة، في مواجهة الإهمال المتعمد والممارسات التعسفية التي تهدد حياته.
اعتُقل الشيخ سلمان العودة إبان حملة سبتمبر/أيلول 2017 دون مذكرة قضائية، وذلك عقب نشره تغريدة دعا فيها إلى المصالحة بين السعودية وقطر خلال الأزمة الخليجية، حيث كتب: “اللهم ألّف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”. هذه الكلمات، التي حملت دعوة للوحدة بين الأشقاء، كانت كافية لتُعرّضه لقرابة ثماني سنوات من الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، معظمها في الحبس الانفرادي، دون محاكمة عادلة. وبينما أعادت السعودية رسميًا علاقاتها مع قطر في اتفاق العلا 2021، لا يزال الشيخ سلمان العودة خلف القضبان، في إجراء تعسفي يفضح الطابع السياسي لاعتقاله، ويؤكد أن احتجازه لم يكن سوى انتقام مباشر من آرائه الإصلاحية، وليس له أي أساس قانوني مشروع.
منذ اعتقاله، حُرم الشيخ سلمان العودة من التواصل المنتظم مع أسرته ومحاميه، ولم يُسمح له إلا بمكالمات محدودة للغاية، كما تم تأجيل محاكمته مرارًا وتكرارًا دون مبررات قانونية واضحة، حيث لا تزال القضية معلقة منذ عام 2021، رغم مطالبات النيابة العامة السعودية بتوقيع عقوبة الإعدام بحقه في سابقة خطيرة تكشف عن استخدام القضاء كأداة للقمع السياسي بدلًا من تحقيق العدالة.
لم تقتصر الانتهاكات على الشيخ سلمان العودة وحده، بل امتدت إلى أفراد أسرته الذين يعانون من عقاب جماعي تعسفي، حيث تم فرض حظر سفر غير قانوني على جميع أفراد عائلته داخل السعودية، مما أدى إلى تقييد حريتهم الشخصية وتعطيل حياتهم بشكل تعسفي. كما تعرض شقيقه خالد العودة للاعتقال في سبتمبر/أيلول 2017، وذلك لمجرد مطالبته بالإفراج عن أخيه، في خطوة تكشف النهج السلطوي الذي تمارسه السلطات السعودية ضد أي صوت يطالب بالعدالة أو حقوق المعتقلين السياسيين.
إن استمرار احتجاز الشيخ سلمان العودة في هذه الظروف القاسية يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وخصوصًا المادة 9 التي تحظر الاعتقال التعسفي، والمادة 5 من الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي تجرّم إساءة معاملة المحتجزين. كما أن احتجازه دون حكم قضائي نهائي أو محاكمة عادلة طوال هذه السنوات، يجعل من استمرار اعتقاله بحد ذاته جريمة ضد حقوق الإنسان تتطلب تحركًا فوريًا من المجتمع الدولي.
في ظل هذا التصعيد الخطير والانتهاكات المستمرة التي تُرتكب بحقه، فإن منظمة معًا من أجل العدالة تدعو الأمم المتحدة وجميع الهيئات الدولية المعنية، بما في ذلك المقرر الخاص المعني بالتعذيب والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، إلى التدخل العاجل للضغط على السلطات السعودية للإفراج الفوري عن الشيخ العودة، وضمان حصوله على الرعاية الصحية اللازمة، ووضع حد لجميع الانتهاكات التي يتعرض لها.
كما نطالب بالضغط على السلطات السعودية لرفع جميع القيود المفروضة على أفراد أسرته، بما في ذلك إنهاء حظر السفر التعسفي والإفراج عن شقيقه خالد العودة، والكف عن سياسة العقاب الجماعي التي تتنافى مع جميع القيم والمبادئ القانونية والإنسانية.
إن الممارسات التي تتعرض لها عائلة العودة تكشف الوجه الحقيقي لواقع الحقوق والحريات في السعودية، حيث يتم قمع كل صوت يدعو للإصلاح، ويُستخدم القضاء كأداة انتقام ضد المفكرين والعلماء بدلًا من أن يكون وسيلة لتحقيق العدالة. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يواصل الصمت بينما يتم استهزاء العدالة بهذه الطريقة الفجة، وسلب حرية الأفراد بناءً على توجهاتهم الفكرية والسياسية.
إننا في معًا من أجل العدالة نؤكد أن الإصلاح الحقيقي لا يتحقق عبر الاعتقالات والمحاكمات الصورية والتنكيل بالمخالفين، بل عبر فتح المجال للحوار والتعددية الفكرية وضمان احترام حقوق الإنسان. إن احتجاز الشيخ العودة كل هذه السنوات رغم التصالح الرسمي مع قطر يكشف بوضوح أن القضية لم تكن يومًا قضية قانونية أو محاكمة عادلة، بل هي انتقام سياسي موثق يجب أن يتوقف فورًا.
إن حياة الشيخ سلمان العودة في خطر، والمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التدخل قبل فوات الأوان. أي مماطلة في إنهاء هذا الوضع التعسفي تعني استمرار المشاركة في جريمة كبرى بحق العدالة وحقوق الإنسان.