اختفاء الدكتور سعود السرحان منذ 2021 قسريًا وما زال مكانه مجهولًا حتى اليوم
منذ أكتوبر 2021، يختفي الدكتور سعود السرحان قسرًا دون أي معلومة رسمية أو شفافة عن مكانه أو وضعه الصحي أو ظروف احتجازه. السرحان، الباحث المعروف والأمين العام السابق لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، لم يكن شخصية هامشية أو ناشطًا معارضًا؛ بل كان جزءًا من المؤسسات البحثية الرسمية في المملكة. ورغم ذلك، تحوّل اسمه إلى ملف اختفاء قسري مستمر منذ أربع سنوات، بسبب رأي كتبه وتحليل قدّمه.
قبل اختفائه، نشر السرحان مقالًا تناول فيه مستقبل السعودية السياسي والاقتصادي في عهد محمد بن سلمان، معبّرًا عن شكوكه بشأن قدرة النظام على تحقيق وعوده الكبرى وسط بيئة سياسية مغلقة. المقال لم يتضمن دعوة للتحريض أو نقدًا جارحًا، بل قراءة تحليلية طبيعية تصدر عن باحث شغل منصبًا رفيعًا في مؤسسة رسمية مرموقة. ومع ذلك، وعلى خلفية هذا المقال تحديدًا، ومع عودة سعود القحطاني — المستشار السابق لولي العهد — إلى الواجهة، صدرت أوامر باعتقال السرحان.
في أكتوبر 2021، اختفى السرحان بعد توقيفه، ومنذ ذلك الحين لم تعلن السلطات عن مكان احتجازه، ولم تؤكد ما إذا كان قد صدر بحقه حكم، ولم يُسمح لأسرته أو محامٍ بالاطلاع على وضعه، في انتهاك كامل لكل المعايير الدولية الخاصة بحظر الإخفاء القسري. وبمرور السنوات، لم يظهر أي أثر رسمي له، ولم تخرج حتى بيانات نفي أو اعتراف، وهو ما يعمّق المخاوف بشأن سلامته.
القضية لا تتعلق باعتقال فرد واحد، بل تكشف نمطًا واضحًا: كل رأي لا ينسجم تمامًا مع الخط العام للدولة يمكن أن يتحول إلى تهديد، وكل تحليل يُعدّ تجاوزًا لحدود “المساحة المسموح بها”. والمأساة هنا ليست فقط في الاعتقال، بل في أن شخصية بحثية رسمية، خدمت في مؤسسة سيادية، أصبحت عرضة للاختفاء القسري دون محاكمة أو إعلان أو تبرير.
إن استمرار اختفاء الدكتور سعود السرحان، بعد أربع سنوات من الصمت، يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وإخلالًا جسيمًا بالتزامات السعودية الدولية، وتأكيدًا على أن سياسة إسكات الأصوات لا تستثني كبار الباحثين ولا أصحاب المناصب الرسمية السابقة.
قضية الدكتور سعود السرحان لم تعد مجرد ملف احتجاز، بل تحولت إلى دليل حيّ على استمرار سياسة الإخفاء القسري داخل السعودية، حتى ضد الشخصيات البحثية والأكاديمية التي كانت جزءًا من مؤسسات الدولة نفسها. وبعد أربع سنوات من الغياب الكامل، وغياب أي شفافية أو إعلان رسمي، لم يعد هناك ما يمكن تبريره أو التذرع به. إن استمرار إخفائه يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتهديدًا مباشرًا لحياته وسلامته، وإخلالًا فاضحًا بحقوقه الأساسية.
قضيته اليوم ليست شأنًا عائليًا أو فرديًا، بل قضية حقوقية عامة تتعلق بسلامة الباحثين والكتاب والأكاديميين، وبحق المجتمع في المعرفة، وبمبدأ أساسي: لا يجوز أن يُختفي الإنسان لمجرد أنه قال رأيًا أو كتب تحليلًا.
تطالب المنظمة أولًا بالكشف الفوري عن مصير الدكتور سعود السرحان ومكان احتجازه، إذ لا يمكن لأي دولة تدّعي احترام القانون أن تُبقي شخصًا رهن الإخفاء القسري لسنوات دون معلومة واحدة عن وضعه. هذا الغياب التام للمعلومات يشكّل خطرًا مباشرًا على حياته، ويُعدّ انتهاكًا صارخًا لكل الاتفاقيات الدولية التي تحظر حجز الأشخاص في أماكن سرية.
كما تطالب المنظمة بأن يُتاح للدكتور السرحان التواصل المباشر مع أسرته ومحامٍ مستقل، بعد سنوات من العزل الكامل الذي حوّل اعتقاله من احتجاز تعسفي إلى حالة إخفاء قسري كاملة الأركان. التواصل مع العائلة والتمثيل القانوني ليسا امتيازين، بل حقوقًا أساسية تُصادر بشكل ممنهج في قضيته.
وتؤكد المنظمة كذلك أن اعتقال السرحان جاء نتيجة قراءة تحليلية نشرها حول مستقبل السعودية السياسي والاقتصادي، وهو ما يستدعي وقف الملاحقة بسبب الرأي والتحليل الأكاديمي. إن تجريم التعبير العلمي وتحويل المقالات إلى “تهديدات” ينسف أي فرصة لوجود بيئة فكرية أو بحثية داخل البلاد، ويمثل خطرًا على حرية الكتابة والبحث.
وبالنظر إلى أن السلطات لم تُعلن عن أي تهم رسمية أو إجراءات قضائية منذ بداية الاختفاء، فإن المنظمة تشدد على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عنه، لأنه لا توجد أي أساسات قانونية لاستمرار اعتقاله. بقاؤه في الاحتجاز بعد أربع سنوات من الصمت الرسمي يعكس ممارسة سياسية وليست إجراءً قضائيًا.
كما تدعو المنظمة إلى فتح تحقيق مستقل وشفاف في واقعة اعتقاله وما تلاها من إخفاء قسري، بما يشمل مساءلة الجهات المسؤولة عن احتجازه ومنع التواصل عنه. التحقيق ليس مطلبًا تكميليًا، بل ضرورة قانونية لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مع أي باحث أو أكاديمي.
وأخيرًا، ترى المنظمة أن الإفراج عن الدكتور السرحان يجب أن يكون مصحوبًا بضمانات واضحة تمنع إعادة اعتقاله أو تقييد حريته مستقبلًا. فلا معنى للإفراج إذا كان مجرد تمهيد لاعتقال جديد، كما جرى في حالات عديدة. حماية السرحان بعد خروجه ليست إجراءً رمزيًا، بل جزءًا أساسيًا من واجب الدولة تجاه مواطنيها، وضمانًا لحقه في العودة إلى حياته المهنية والفكرية دون تهديد أو خوف.



