اغتالوا صوته حياً.. وقاتلوا ذكراه ميتاً: السعودية تحارب فيلم المنشق عن جمال خاشقجي
يشن النظام السعودي حملة تشويه كبيرة ضد فيلم “المنشق” لمنعه من الانتشار ولإيهام الجمهور الغربي أنه لا يستحق المشاهدة، إذ يتناول الفيلم سيرة الراحل جمال خاشقجي ويكشف خبايا لم تُعلن من قبل حول تفاصيل الجريمة الدامية لقتل خاشقجي، كما يسلط الفيلم الضوء من منظور مختلف على ممارسات السعودية لخنق حرية الرأي والتعبير.
وبحسب صناع الفيلم، فإن “المنشق” يتعرض -منذ حوالي أسبوع- لهجمات شرسة من جيوش الذباب الإليكتروني التابعة للنظام السعودي للتلاعب في تقييمه على مواقع ومنصات تقييم الأفلام العالمية كخطوة لحث الجهور الغربي على العزوف عن مشاهدة الفيلم، وبالتالي يحافظ بن سلمان على صورته التي ما تلبث إلا أن تشوهها فضيحة جديدة من تاريخه المليء بالانتهاكات والجرائم.
الفيلم العالمي “المنشق”، وهو فيلم وثائقي من إخراج الأمريكي بريان فوغل، حظي مع بداية طرحه بتقييمات إيجابية عالية على موقعي Rotten Tomatoes وIMDb أشهر مواقع تقييم الأفلام العالمية، كما أشاد به عدد كبير من النقاد والسياسيين مثل هيلاري كلينتون، التي أوصت بمشاهدة الفيلم الذي يحكي عن جريمة قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول على أيدي عملاء سعوديين بأوامر من بن سلمان شخصياً.
وحتى السبت الماضي، حصل الفيلم على تقييمات بـ “تسع أو عشر نجمات” على موقع IMDB، التي تعود ملكيته لأمازون، لـ 5000 زائر من أصل 9200، ولكن ومنذ السبت، بدأت التقييمات السلبية في الظهور والازدياد حتى حصل الفيلم على حوالي 1175 تقييم بنجمة واحدة فقط، ليرتفع التقييم السلبي إلى 20٪.
ذات الحملة الشرسة تعرض لها الفيلم على موقع تصنيف الأفلام Rotten Tomatoes، وبعد أن كان الفيلم يحظى بتقييم جيد، انخفض تقييمه الإيجابي من 95٪ إلى 68٪.
انخفاض التقييمات ليس أمراً غريباً، لكن أن تنخفض بهذه الصورة المفاجئة بعد تصدر الفيلم لقوائم التصنيفات، وإشادة قطاع كبير من المشاهدين والنقاد به، هو أمر مثير للريبة، خاصة وأن تعليقات الذين قاموا بالتقييمات السلبية ليست منطقية ولا واقعية، إذ جاء في تعليق أحدهم بأن “الأفلام الوثائقية تعتمد دائماً على الواقع الذي لم أره في هذا الفيلم. لم أر شيئاً عن خاشقجي في هذا الفيلم الوثائقي. حتى عائلته لم تشارك. لا أوصي به أي شخص”، قال هذا رغم ظهور خاشقجي وخطيبته التركية خديجة جنكيز في جزء كبير من الفيلم.
في حواره مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، والتي كان يعمل لها خاشقجي قبل اغتياله، قال متحدث باسم ” Rotten Tomatoes” إن إدارة الموقع تشتبه في حصول تلاعب في التقييمات بعد هذا التحول المفاجئ في نتائج تصنيف الفيلم، وأكد على أن هذه التصويتات تخضع الآن للفحص للوقوف على حقيقة ما يحدث.
نقلت صحيفة واشنطن بوست أيضاً عن صناع الفيلم اعتقادهم بوجود “متصيدين يعملون لصالح الحكومة السعودية وراء هذه الحملة بهدف خلق إحساس زائف بعدم الرضا الشعبي” عن الفيلم، مشيراً إلى أن الموقع “سيزيل التصنيفات المتلاعبة التي يتم اكتشافها”.
وأوضحت الصحيفة أن الفيلم، الذي عُرض في دور السينما الشهر الماضي، تتم مهاجمته لأنه يبرز صورة واضحة لمحاولات النظام السعودي لإسكات منتقديه، ويفضح استعانته بجيوش “الذباب” الإليكتروني الذين يعملون لصالح محمد بن سلمان لتجميل صورته والتركيز على النقاط الإيجابية فقط في قراراته مع السعي لإخفاء أي انتقاد سلبي له، بصورة تخلق ثقافة مجردة من أصوات المعارضة.
تعليقاً على هذا قال ثور هالفورسن، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة حقوق الإنسان غير الربحية التي مولت الفيلم، أن النظام السعودي بهذه الحملة “أكد حقيقة ما جاء في الفيلم… لديهم في الحقيقة جيش إلكتروني”.
من الجدير بالإشارة إليه، الفيلم الوثائقي، الذي حصل صانعه على جائزة أوسكار من قبل، تعرض لحملات شرسة أخرى من النظام السعودي عند بداية طرحه، إذ تم الضغط على منصات الأفلام الشهيرة مثل: نتفلكس وأمازون وغيرهم لعدم بث الفيلم، في محاولة حجب الفيلم وتقويض فرصه في الانتشار والمشاهدة، وعليه لم يجد صناع الفيلم سوى منصة “برييركليف انترتيمنت”، وهي شركة مستقلة ذات انتشار محدود، لعرضه.
حاول النظام السعودي من قبل القضاء على صوت خاشقجي وأفكاره باغتياله بأكثر الطرق وحشية، ومع ذلك، لم تنجح مساعيه تلك، بل ازدادت شهرة خاشقجي أكثر، وانتشرت أفكاره بصورة أوسع، وأخذ عشرات من النشطاء والحقوقيون زمام المبادرة لإكمال مسيرته التي بدأها ودفع حياته ثمناً لها.
والآن، يحاول وبكل أدواته القضاء على أي عمل يخلد ذكرى خاشقجي ويفضح الدور القذر الذي ينتهجه البعض في التعامل مع المعارضين وأصحاب الرأي. لماذا لم يتعلم النظام السعودي من الدرس؟ ولماذا يصر على انتهاج ذات الأساليب التي لا تزيد الحركات المعارضة له إلا قوة وإصراراً؟
اقرأ أيضًا: منظمات حقوقية تطالب السعودية بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين