تحقيق- انقلاب القصر: تفاصيل سيطرة محمد بن سلمان على السلطة (3)

التقرير كاملًا من المصدر باللغة الإنجليزية
في الأشهر التي أعقبت الانقلاب الذي نفذه محمد بن سلمان للإطاحة بابن عمه الأمير محمد بن نايف والسيطرة على ولاية العهد بدلًا منه، استمر سعد الجبري في التواجد في تركيا رافضًا كل محاولات ولي العهد الجديد لاستدراجه للمملكة.
عائلة الجبري، زوجته وأبنائه كانوا معه، باستثناء اثنين من أبنائه عمر وسارة، الذين كانا سيلحقان به في الخارج، لكن في يوم الانقلاب مُنعا من السفر بصورة تعسفية ولم تسمح لهم السلطات بركوب الطائرة.
ظل الجبري على اتصال سري بمحمد بن نايف، الذي كانت تحركاته مقيدة، وفي الوقت نفسه، تحرك محمد بن سلمان بسرعة لتشديد قبضته على الأجهزة الأمنية، بما في ذلك وزارة الداخلية، التي جُردت من الموالين لمحمد بن نايف.
في غضون ذلك، لم يسمح محمد بن سلمان بأي شكل من أشكال المعارضة أو الانتقاد، وشن حملة شرسة في سبتمبر/أيلول 2017 على المفكرين والأكاديميين ورجال الدين والكثير من المثقفين والمؤثرين الذين يتابعهم عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الشهر نفسه، ناشد الجبري محمد بن سلمان للسماح لأبنائه بمغادرة المملكة العربية السعودية، لكن محمد بن سلمان أصر على أن يعود الجبري أولاً لمناقشة “ملف حساس للغاية” يتعلق بمحمد بن نايف، وأرسل له رسالة نصية تقول “يا دكتور، أين يجب أن نرسل الطائرة لجلبك؟”، لم يكن الجبري ينوي العودة، لكنه سعى أيضًا إلى إقناع محمد بن سلمان بأنه لا يشكل أي تهديد، وتعهد له بالولاء.
وأرسل الجبري لابن سلمان رسالة يقول فيها: “لدي الكثير من معلومات الدولة الحساسة، لكن على الرغم من ذلك لم أسرب أي شيء لأي شخص”، وتابع “أي مصير ينتظرني إذا كنت سأعود إلى السعودية؟ أليس الأفضل لي أن أبقى خارج المملكة، وأبقى وفيًا لحكمك، وأرفض قول أي شيء يضر … وأتعاون مع سموك في كل ما يخدم الصالح العام؟ “
لم يتأثر محمد بن سلمان برسائل الجبري ويبدو أنه لم يصدقه، وأرسل إليه رسالة نصية مفادها أنه سوف يلاحقه “بكل الوسائل المتاحة”، ودفع هذا التهديد الجبري للفرار من تركيا إلى كندا في وقت لاحق من ذلك الشهر.
في أواخر عام 2017، حاولت المملكة العربية السعودية اعتقال الجبري عبر الإنتربول، بدعوى أنه اختلس أموالًا حكومية تقدر بالمليارات، وضغطت على كندا لتسليمه، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، بحسب الجبري، تلقى تحذيرًا من مسؤولين في بلد ما (طلب عدم ذكر اسمها) مفاده أنه هدف اغتيال وحثوه على الابتعاد عن السفارات والقنصليات السعودية.
في نفس الشهر، وحسب الجبري فإن أن ضباط الحدود الكندية تمكنوا من إحباط محاولة لاغتيال الجبري وذلك عند رفضهم دخول أعضاء من فرقة النمر، وهي فريق من القتلة الذين ترعاهم السعودية، البلاد.
وحسب الجبري، فإن هذه الفرقة هي التي نفذت عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في الشهر نفسه.
بالنسبة للأمريكيين الذين عملوا مع الجبري، كان من الواضح أن محمد بن سلمان يعتبره تهديدً، إذ قال المسؤول الأمريكي السابق الذي عمل معه، إن الجبري الذي فر من المملكة كان “مثل نائب ج. إدغار هوفر الذي يغادر العاصمة ويظهر في موسكو… هذا رجل محبوب من قبل منظمات الدولة العميقة في جميع أنحاء العالم… إنه يعرف كل نقطة ضعف وكل خطوة قام بها أفراد العائلة المالكة السعودية “.
يقول أحد القائمين على هذا التحقيق أنه كان سيقابل سعد الجبري في فندق خمس نجوم في واشنطن العاصمة، حيث كان الجبري قد سافر من تورنتو لزيارة ابنه خالد، طبيب القلب والمتحدث الرسمي باسم والده المنعزل.
عندما وصل الباحث إلى ردهة الفندق، قال إنه فوجئ برسالة غير متوقعة من الجبري تقول: “لنلتقي خارج الفندق”، وبعد دقائق، ظهر رجل واقتادني إلى ناطحة سحاب أخرى في المنطقة.
خلال اللقاء، قال الجبري إنه خلال رئاسة ترامب، تجنب زيارة واشنطن العاصمة، بالرغم من أن لديه الكثير من الأصدقاء المؤثرين هنا، بما في ذلك أعضاء مجلس الشيوخ على جانبي الممر والمسؤولين الأمنيين، ومع ذلك، فقد كان حذرًا من أن تطوله الذراع الطويلة للدولة السعودية، كما أن علاقة ترامب الحميمة بمحمد بن سلمان جعلته أكثر حذرًا.
وتساءل الجبري، الحاصل على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي من جامعة إدنبرة، عن مدى اختلاف مسار حياته لو لم يقابل محمد بن نايف، وكان الجبري قد بدأ حياته المهنية في وزارة الداخلية في التسعينيات، وحاول ذات مرة الاستقالة من وظيفة في أرامكو، عملاق النفط الحكومي الذي يعد أكبر بقرة مربحة للمملكة، لكن محمد بن نايف جعله يتراجع.
منذ انقلاب القصر، اعتقل بن سلمان حوالي 40 من أفراد عائلة الجبري والمقربين منه في المملكة العربية السعودية في محاولة لإكراهه على العودة، من بينهم نجليه عمر وسارة (22 عامًا و24 عامًا على التوالي)، والذين قُبض عليهم في مارس/آذار 2020، وحُكم عليهم بالسجن في محاكمة سرية ومغلقة بتهمة غسيل الأموال ومحاولة الهروب من السعودية بشكل غير قانوني، كما تحتجز السلطات السعودية أيضًا زوج ابنة الجبري الأخرى، والذي تعرض لتعذيب وحشي لإجبار صهره على العودة للمملكة.
في أغسطس/آب 2020، بعد الحكم على أبنائه، رفع الجبري دعوى قضائية في واشنطن، أعلن فيها الجبري أن محمد بن سلمان أرسل فريق لاغتياله.
يعلم الجبري أنه لا يستطيع الانتصار ضد ديكتاتور قوي، لكن الإجراء يمكن أن يكون على الأقل ما وصفه أحد مساعديه بأنه “شوكة في حذاء محمد بن سلمان “.
في أوائل عام 2021، أثارت الدعوى ما اعتبره الجبري دعاوى قضائية انتقامية في بوسطن وأونتاريو، رفعتها 10 شركات سعودية مرتبطة بالحكومة أسسها بن نايف في البداية لتوفير غطاء للعمليات الأمريكية السعودية ويسيطر عليها الآن صندوق الثروة السيادي للمملكة الذي يرأسه محمد بن سلمان.
اتهمت هذه الشركات الجبري وشركائه باختلاس 3.5 مليار دولار، لكن الجبري نفى ارتكاب أي مخالفات وقال إن الدفاع عن نفسه سيتطلب الكشف عن عمليات وأموال الشركات التي كانت غامضة حسب التصميم لدعم الأنشطة السرية.
تشير وثائق المحكمة التي قدمتها وزارة العدل الأمريكية في بوسطن إلى أن المسؤولين الأمريكيين كانوا حريصين على التوصل إلى تسوية خارج المحكمة بين الجبري ومحمد بن سلمان لمنع أي كشف علني عن عمليات أمريكية سرية.
قال لي مسؤول أمريكي، كان يعمل سابقًا في البعثة الأمريكية في الرياض، إن السعوديين غير مهتمين بالاستقرار لأنهم “غير مقتنعين بأن الجبري سيبقى صامتًا”، وفي فبراير/شباط من هذا العام، قدم الجبري عرضًا جديدًا لمحمد بن سلمان، إذ قال في رسالة إلى أحد كبار مستشاري الديوان الملكي أنه “حلاً ماليًا وقانونيًا” لكن لم تُشارك تفاصيل هذا العرض الذي لم يرد عليه محمد بن سلمان بعد.