
في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية ادعاءها الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان حول العالم، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية هذا الأسبوع لتؤكد أن هذه القيم لا تساوي شيئًا أمام صفقات السلاح والاستثمارات. فقد تم الإعلان خلال الزيارة عن اتفاقيات اقتصادية وعسكرية تتجاوز قيمتها 600 مليار دولار، بينما تُرتكب في السعودية انتهاكات ممنهجة بحق المعارضين والنشطاء، في ظل صمت وتواطؤ أمريكي فاضح.
وخلال زيارة ترامب، وقّعت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقية تسليح ضخمة بلغت قيمتها 142 مليار دولار، تشمل صفقات لشراء أنظمة دفاعية وهجومية متطورة، وتوسيع التعاون العسكري بين البلدين. هذه الاتفاقية، التي وُصفت بأنها من الأكبر في تاريخ العلاقات الثنائية، تأتي في ظل استمرار السعودية باستخدام السلاح في قمع المعارضة الداخلية، وشنّ حملات دموية ضد المدنيين في مناطق النزاع. توقيع هذه الصفقة يعكس بوضوح أن واشنطن لا تأبه لاستخدام هذه الأسلحة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ما يجعلها شريكة في الجريمة، لا حليفة في السلام.
قبيل الزيارة بأيام فقط، أصدرت السلطات السعودية حكمًا بالسجن عشر سنوات على المواطن البريطاني أحمد الدوش بسبب تغريدة محذوفة، في محاكمة افتقرت لأدنى معايير العدالة، وهو ما يعكس الجرأة المتزايدة لدى النظام السعودي في قمع الحريات، مستندًا إلى دعم غير مشروط من حلفائه الدوليين. هذه ليست حالة فردية، بل جزء من نمط واسع من القمع يشمل أكثر من 2000 معتقل رأي في السعودية، من بينهم مفكرون، حقوقيون، نساء ناشطات، وشباب لم يُمنحوا حق المحاكمة أو الدفاع عن أنفسهم.
تأتي هذه الزيارة بعد مرور نحو خمس سنوات على تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) الذي أكد أن عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018 نُفذت بأمر مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان. ورغم هذه الحقيقة المعلنة، لم تُفرض أي عقوبات فعلية على المسؤولين، بل أُعيد دمج النظام السعودي في المشهد الدولي، ليُستقبل بالأحضان من جديد، ويُعامل كـ”شريك استراتيجي” لا يمكن المساس به.
وفي الوقت ذاته، تتزايد حالات الوفاة داخل السجون السعودية نتيجة الإهمال الطبي، والحرمان من العلاج، والتعذيب. وتشير تقارير موثقة إلى وفاة ما لا يقل عن 15 معتقلًا منذ بداية عام 2023، دون إجراء أي تحقيق جاد، أو محاسبة للمسؤولين. كما لا يزال عشرات المواطنين في عداد المختفين قسريًا، محتجزين في أماكن سرية دون تواصل مع أسرهم أو محامين، وهي جرائم ترتقي إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
ورغم هذا السجل المروّع، لا يُفتح أي ملف داخل أروقة الهيئات الدولية حول وضع حقوق الإنسان في السعودية، ولا يُطرح أي حوار جاد مع الضحايا أو من يمثلهم. كل ما يحدث هو تدفق الاستثمارات، وتوسيع التحالفات، والتطبيع مع الانتهاكات.
لقد أصبح النظام السعودي مقبولًا دوليًا لا لأنه احترم القانون أو التزم بالإصلاح، بل لأنه يمتلك المال. وبالمقابل، يُقصى المدافعون عن الحقوق والحريات من أي مشهد سياسي أو إعلامي، ويُتركون فريسة للزنازين والحرمان والتهديد.
إن منظمة معًا من أجل العدالة تؤكد أن الصمت الأمريكي والغربي عن الانتهاكات الجارية في السعودية، بل وتكريس العلاقات الاقتصادية والسياسية معها، يمثل خيانة واضحة للمبادئ التي يُفترض أن تشكل أساس النظام الدولي. وإن تبرير هذه الجرائم بالمصالح لا يمحو عار التواطؤ، ولا يقلل من فداحة الظلم الواقع على آلاف الأبرياء.
وعليه، فإن المنظمة تطالب بوقف هذا النفاق السياسي، والضغط الجاد للإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي، وفتح تحقيقات دولية في قضايا الاغتيال، التعذيب، والإخفاء القسري، وفرض عقوبات قانونية حقيقية على كل من تورّط أو تستر على هذه الجرائم.