حياة الماعز: كم من “نجيب محمد” السعودية لا يُسمع عنه؟

لقد سلط فيلم حياة الماعز -الذي بثته منصة نتفلكس الشهيرة الأسبوع الماضي- الضوء على قصة مروعة عن العبودية في العصر الحديث والتي تعكس المعاناة التي لا توصف لعدد لا يحصى من العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية. إن قصة نجيب محمد، التي تم تصويرها في هذا الفيلم المؤلم، ليست مجرد مأساة فردية بل إنها تمثيل للاستغلال المنهجي الأوسع نطاقًا في ظل نظام الكفالة سيئ السمعة، والذي لا يزال يجبر الملايين من العمال المهاجرين للعمل في ظروف غير إنسانية بلا رحمة.
قصص الاستغلال التي لم تُرو بعد!
قصة نجيب ليست فريدة من نوعها، بنظام الكفالة، السائد في العديد من دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يربط “حرفيًا” مصير العمال المهاجرين بأصحاب عملهم، الذين في أغلب الأحيان يستغلونه أسوأ استغلال بلا أي ضمير، حيث يتحكمون في حياة هؤلاء العمال تصل في بعض الأحيان لمواعيد شرب المياه. يتعرض العمال في ظل هذا النظام في كثير من الأحيان للإساءة الجسدية والنفسية، وحجب الأجور، ومصادرة جوازات السفر، والقيود المفروضة على حريتهم في الحركة. تخلق هذه الظروف بيئة ناضجة للاستغلال، حيث يتم التعامل مع العمال مثل نجيب كعمالة يمكن الاستغناء عنها في أي وقت دون أي ضمان لأي حقوق، مع القليل من فرص الانتصاف القانوني.
نظام الكفالة: شكل حديث من أشكال العبودية
لطالما انتقدت منظمات حقوق الإنسان نظام الكفالة باعتباره شكلاً من أشكال العبودية الحديثة، وعلى الرغم من وعود الإصلاح التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بما في ذلك الجهود المبذولة لتخفيف بعض جوانب النظام، فإن الواقع على الأرض يظل قاتماً بالنسبة للعديد من العمال، وكثيراً ما كانت الإصلاحات المزعومة سطحية، تاركة القضايا الأساسية المتمثلة في الاستغلال والافتقار إلى الحماية القانونية دون معالجة.
ويستمر العمال المهاجرون، وخاصة أولئك الذين يعملون في مجال العمل المنزلي والبناء والزراعة، في مواجهة ظروف عمل قاسية مع القليل من الإشراف الحكومي والقانوني، أو حتى عدم وجوده. وتتردد صدى قصة نجيب، الذي أُجبر على رعي الماعز في الصحراء السعودية في ظل ظروف مروعة، مع تجارب العديد من الأشخاص الذين وقعوا في فخ نظام يحط من قدرهم ويذلهم.
الإصلاح الوهمي
تم الترويج لرؤية محمد بن سلمان 2030 باعتبارها خطة تحويلية للمملكة العربية السعودية، وتعد بتحديث الاقتصاد وتحسين حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن واقع العمال المهاجرين يروي قصة مختلفة. في حين كانت هناك بعض الخطوات نحو تخفيف القيود المفروضة على نظام الكفالة، مثل السماح للعمال بتغيير وظائفهم دون موافقة صاحب العمل، إلا أن هذه التدابير كانت غير فعالة إلى حد كبير في حماية العمال من الإساءة والاستغلال.
في كثير من الحالات، يظل العمال تحت رحمة أصحاب العمل، مع القليل من الوصول إلى الموارد القانونية أو الدعم. تعني ديناميكيات القوة المترسخة في نظام الكفالة أنه حتى مع الإصلاحات، لا يزال استغلال العمال المهاجرين قضية قائمة دون معالجة حقيقية.
الحرمان من الأجور
في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة العربية السعودية العديد من الحالات البارزة حيث حُرم العمال المهاجرون من أجورهم المستحقة، مما ألقى الضوء على الاستغلال المنهجي داخل نظام الكفالة. حدثت إحدى الحالات البارزة في عام 2019، عندما تُرك الآلاف من العمال الهنود عالقين بدون أجر لعدة أشهر بعد فشل الشركات التي عملوا بها في الوفاء بالتزاماتها المالية. واجه هؤلاء العمال، الذين كانوا يعملون في قطاع البناء وغيره من القطاعات، صعوبات بالغة، حيث كان العديد منهم يعيشون في معسكرات عمل مكتظة في ظل ظروف مزرية، وغير قادرين على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية أو العودة إلى ديارهم بسبب مصادرة جوازات سفرهم من قبل أصحاب العمل.
كانت استجابات الحكومة السعودية، مثل تقديم الحد الأدنى من المساعدة المالية أو المسارات القانونية المحدودة للعمال لاستعادة أجورهم، غير كافية إلى حد كبير. وتؤكد هذه الحوادث على الحاجة الملحة إلى إصلاح شامل لنظام الكفالة، الذي لا يزال يمكّن من مثل هذه الانتهاكات ويترك العمال المهاجرين عرضة للاستغلال والحرمان من حقوقهم الإنسانية الأساسية.
مراكز الاحتجاز
خلال جائحة كوفيد-19، واجه العمال المهاجرون في المملكة العربية السعودية صعوبات متفاقمة، مما يعكس نقاط الضعف النظامية المتأصلة في نظام الكفالة، إذ كشف الوباء عن الواقع الصارخ لظروف معيشتهم، حيث تم حبس العديد منهم في أماكن إقامة مكتظة وغير صحية حيث كان التباعد الاجتماعي مستحيلاً. وعلى الرغم من الوعود الأولية التي قدمتها الحكومة السعودية بدعم الشركات في دفع الأجور، فقد تُرك العديد من العمال المهاجرين بدون دخل حيث مُنح أصحاب العمل حرية التصرف في فرض إجازة غير مدفوعة الأجر أو فصل العمال تمامًا.
في مراكز الاحتجاز، كان الوضع مزريًا، حيث وصف المهاجرون احتجازهم في مساحات ضيقة دون الوصول الكافي إلى النظافة الأساسية أو الرعاية الطبية، حتى مع انتشار فيروس كورونا بينهم. أدى الافتقار إلى التدابير الوقائية واستمرار المعاملة القاسية من قبل الحراس إلى تفاقم محنتهم، بل توفي بعضهم بسبب انتشار الأمراض وتركت جثته بين العمال لعدة أيام، بل إن بعضهم وصف الوضع آنذاك بأنه “جهنم على الأرض”.
حان الوقت للتحرك!
إن فيلم “حياة الماعز” تذكير صارخ بأن النضال من أجل حقوق العمال المهاجرين لم ينته بعد، ونشدد أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يواصل الضغط على الحكومة السعودية لإلغاء نظام الكفالة بالكامل وتنفيذ إصلاحات ذات مغزى تحمي حقوق وكرامة جميع العمال.
كما يتعين على منظمات حقوق الإنسان أن تعمل على تضخيم أصوات العمال مثل نجيب، الذين تم إسكات قصصهم لفترة طويلة للغاية. ونحن ندعو إلى اتخاذ إجراءات فورية لضمان حصول العمال المهاجرين في المملكة العربية السعودية على معاملة عادلة وأجور عادلة والحماية القانونية التي يستحقونها.
بينما يسلط فيلم “حياة الماعز” الضوء على المعاناة التي تحملها نجيب محمد، يجب ألا ننسى الآخرين الذين لا حصر لهم والذين ما زالوا محاصرين في مواقف مماثلة. ويجب علينا معًا أن نناضل من أجل تفكيك نظام الكفالة بالكامل وإنشاء أطر قانونية قوية تضمن حقوق جميع العمال المهاجرين. وعندها فقط يمكننا أن نأمل في رؤية نهاية للقصص غير المروية عن الاستغلال في المملكة العربية السعودية.



