
تتابع منظمة معًا من أجل العدالة بقلق بالغ تصاعد الانتهاكات الممنهجة بحق المعتقلين من كبار السن في السجون السعودية، والتي أدت في العديد من الحالات إلى الوفاة تحت وطأة الإهمال الطبي المتعمد، وكان آخر الضحايا الدكتور قاسم القثردي، الذي فارق الحياة داخل محبسه في أبريل/نيسان 2025، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وحرمانه من أبسط حقوقه في تلقي العلاج، رغم كبر سنه وتدهور حالته الصحية. وتأتي هذه الجريمة بعد تحذيرات متكررة من منظمات حقوقية من خطورة أوضاع المعتقلين المرضى وكبار السن، لكن السلطات السعودية واصلت سياسة التعنت والتنكيل دون أدنى اعتبار لحياة الإنسان أو كرامته.
وهذه الجريمة لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقها وفاة العديد من معتقلي الرأي، وعلى رأسهم المفكر الإصلاحي والداعية الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد في أبريل/نيسان 2020، بعد أن تدهورت حالته الصحية داخل السجن نتيجة الإهمال الطبي المتعمد ورفض نقله إلى المستشفى في الوقت المناسب. قُتل الحامد ببطء بسبب الإهمال، بعد سنوات من الاعتقال الجائر بسبب آرائه الإصلاحية السلمية، وهو ما شكل صدمة للضمير الحقوقي العربي والدولي آنذاك.
إننا نؤكد أن السلطات السعودية تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين من كبار السن، وأن ما حدث مع الدكتور القثردي والحامد وغيرهما جريمة مكتملة الأركان، ونشدد على أن استمرار تجاهل الحالات الصحية الحرجة، ورفض الإفراج الإنساني، والتعمد في إبقائهم داخل بيئة قاتلة، يمثل تورطًا مباشرًا في تعذيبهم حتى الموت، ويستدعي تحقيقًا دوليًا ومحاسبة جنائية للمتورطين، مهما علت مناصبهم.
ونؤكد أن وفاة القثردي ليست استثناءً، بل نتيجة حتمية لسياسة ممنهجة يتبعها النظام السعودي في التعامل مع كبار السن من المعتقلين، حيث تُمنع عنهم الأدوية، ويُحرمون من الرعاية الصحية الأساسية، ومن أبسط حقوقهم التي كفلتها القوانين الدولية للمعتقلين، خاصة أولئك المتقدمين في السن والذين يعانون من أمراض مزمنة.
ومن أبرز الأسماء التي تواجه نفس المصير داخل السجون:
- الدكتور عوض القرني (68 عامًا): يعاني من عدة أمراض مزمنة وانزلاق غضروفي حاد، ورغم تدهور حالته الصحية المستمر، لا يزال قابعًا في زنزانة انفرادية دون أدنى رعاية.
- الشيخ سفر الحوالي (75 عامًا): يعاني من أوضاع صحية متدهورة وأمراض مزمنة تفاقمت بسبب الإهمال وعدم توفير العلاج، ويُحتجز في ظروف لا تناسب سنه أو حالته الصحية.
- الشيخ الدكتور سلمان العودة (68 عامًا): فقد بصره جزئيًا في إحدى عينيه نتيجة الإهمال الطبي، ولا يزال محتجزًا في الحبس الانفرادي منذ سنوات، في عزلة تامة تُعدّ شكلًا من أشكال التعذيب المحظور دوليًا.
- السيدة عايدة الغامدي: في الستينيات من عمرها، تعرضت لتعذيب جسدي ونفسي شديد، واحتُجزت في الحبس الانفرادي رغم معاناتها من السكري وارتفاع ضغط الدم، دون توفير أي رعاية طبية.
- الشيخ سليمان الدويش: معتقل منذ أبريل 2016، ومختفٍ قسريًا منذ ذلك الحين، مع انقطاع تام لأخباره وسط مخاوف حقيقية من وفاته تحت التعذيب، بعد أن اعتُقل بسبب تغريدات انتقد فيها تركيز السلطات المطلقة بيد شخص واحد.
تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة أن ما يجري بحق هؤلاء وغيرهم من المعتقلين من كبار السن هو جريمة إنسانية مكتملة الأركان، تتناقض مع كل الأعراف والمواثيق الدولية، ولا سيما قواعد نيلسون مانديلا الخاصة بمعاملة السجناء، واتفاقية مناهضة التعذيب، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إن استمرار حبس هؤلاء دون مراعاة سنهم أو أوضاعهم الصحية، وحرمانهم من العلاج، وغياب الأدوات الطبية والمرافقين، واحتجازهم في زنازين انفرادية، ليس فقط انتهاكًا للقانون، بل إمعان في التنكيل والانتقام السياسي.
وعليه، تطالب المنظمة بما يلي:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين من كبار السن في السجون السعودية.
- تحميل السلطات السعودية المسؤولية الكاملة عن حياة هؤلاء السجناء وما يتعرضون له من تعذيب وإهمال.
- فتح تحقيق دولي نزيه في أسباب وفاة د. قاسم القثردي وسائر الضحايا، ومحاسبة كل من تورط في الإهمال الطبي أو التعذيب أو احتجازهم دون مبرر.
- دعوة المجتمع الدولي –وخاصة الحكومات التي تربطها علاقات مع النظام السعودي– إلى التحرك الفوري، ووقف سياسة الصمت والتواطؤ، واتخاذ خطوات عملية لحماية المعتقلين، بما في ذلك فرض عقوبات ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
- التأكيد على أن الإدانات وحدها لم تعد كافية، وأن الصمت على هذه الجرائم يمثل تواطؤًا مع الجلاد ضد الضحية.
وفي هذا السياق، تعلن منظمة معًا من أجل العدالة انضمامها إلى حملة #أنقذوا_كبار_السن، وتدعو الجميع للمشاركة فيها بكل الوسائل الممكنة، من خلال التدوين والنشر والتوعية بقضايا المعتقلين من كبار السن، وتسليط الضوء على معاناتهم اليومية داخل السجون السعودية. إن التضامن الشعبي والضغط الإعلامي لهما دور حاسم في إنقاذ الأرواح ومنع مزيد من الوفيات، لذا نناشد النشطاء والحقوقيين والإعلاميين والمؤسسات الدولية أن يجعلوا من هذه الحملة منبرًا لصوت من لا صوت لهم، حتى لا يتحول كل معتقل مريض أو مسن إلى اسم جديد يُضاف إلى قائمة الموتى خلف القضبان.