القضاء السعودي “الرحيم” يلغي عقوبة الإعدام بإطالة أمد معاناة محمد الغامدي لعقود خلف القضبان
في تطور مثير للسخرية في نظام “العدالة” السعودي، قررت السلطات إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق محمد الغامدي، المعلم ومربي الأجيال البالغ من العمر 56 عامًا، واستبداله بحكم بالسجن لمدة 30 عامًا. يثير تغيير العقوبة السؤال التالي: ما الفرق عندما يكون الهدف هو إطالة أمد المعاناة؟ نعم، لن يواجه الغامدي الإعدام الفوري، لكنه بدلًا من ذلك سيواجه معاناة “مدى الحياة” خلف القضبان، أي أنه يُعاقب لعقود من العذاب لمجرد التعبير عن آرائه على وسائل التواصل الاجتماعي.
حكم بالسجن المؤبد بسبب تغريدات: الخلفية
بدأت قصة اضطهاد محمد الغامدي في صيف عام 2022، عندما اُعتقل من منزله في أبها. “جريمته”؟ نشر تغريدات تنتقد الحكومة، والدفاع عن الأفراد المعتقلين، والدعوة إلى العدالة. اللافت للنظر هنا أن حسابات الغامدي على تويتر لم يتابعها سوى 10 أشخاص، وفي بلد يتم فيه إسكات المعارضة بأي وسيلة ضرورية، كان هذا الانتشار المتواضع كافيًا لجذب القوة الكاملة للقمع السعودي.
في يوليو/تموز 2023، حُكِم على الغامدي بالإعدام من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة بموجب قانون مكافحة الإرهاب القمعي، وهو تشريع شامل يستخدم لمعاقبة منتقدي ومعارضي الحكومة. عقدت محاكمته، مثل العديد من المحاكمات الأخرى، في سرية، دون الوصول إلى التمثيل القانوني ولا فرصة لمراجعة التهم الموجهة إليه. وكانت التهم نفسها غامضة بشكل مثير للسخرية، حيث اتهمته السلطات بـ “تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع السعودي”، “زعزعة استقرار البلاد”، “تشكيل خطورة على الأمن القومي”، فقط لنشر تغريدات.
تخفيف “سخي” للعقوبة إلى السجن مدى الحياة
في أغسطس/آب 2024، اتخذت السلطات السعودية قرارًا “رحيمًا” بإلغاء حكم الإعدام، وبعد أسابيع قليلة، حُكِم على الغامدي بالسجن لمدة 30 عاماً، وهو القرار الذي أنقذ حياته من الموت الفوري، لكنه حكم عليه بعقود من المعاناة خلف القضبان. وبالنسبة لرجل في منتصف الخمسينيات من عمره ويعاني من حالات مرضية متعددة، فإن هذا الحكم في الواقع بمثابة حكم بالإعدام لكن تحت اسم آخر.
مقبرة الزنزانة
بحسب مصادر مقربة من العائلة، يعاني الغامدي من 4 أمراض بالمخ والأعصاب مثبتة بالتقارير الطبية الرسمية حتى قبل اعتقاله، وبالرغم من حاجته الماسة لتلقي العلاج، رفضت إدارة السجن طلبات العائلة عرضه على طبيب مختص، بل ازدادت حالته الصحية تدهورًا بعد تعرضه لنوبة عصبية تسببت في سقوطه وتهشّم بعض أسنانه، ورغم ذلك لم يتلق أي رعاية طبية مناسبة.
وعود محمد بن سلمان الجوفاء
لنضيف طبقة أخرى من سخرية النظام السعودي من العدالة، علق ولي العهد محمد بن سلمان شخصيًا على قضية الغامدي خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز في عام 2023. عندما سُئل عن حكم الإعدام، قال محمد بن سلمان إنه يشعر “بالخزي” و”ليس سعيدًا” بالعقوبة القاسية. ثم نأى بنفسه بسرعة عن أي مسؤولية، مدعيًا أن القضاء مستقل وحتى هو لا يستطيع التدخل في العملية…. وأضاف خلال المقابلة “هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم. هل نعمل على تغييرها؟ نعم”، في محاولة ضعيفة لتبرير النظام القانوني الوحشي في البلاد.
ما تغافل محمد بن سلمان عن ذكره هو أن قانون مكافحة الإرهاب، الذي حُكم بموجبه على الغامدي، أقر ولي العهد شخصيًا العمل به عام 2017، لذلك فإن تصريحاته بشأن الإصلاح القانوني ما هي إلا شعارات جوفاء طالما أن المعارضين والمنتقدين مثل الغامدي ما زالوا يقبعون في السجون بموجب قوانينه.
نموذج للعقاب الجماعي
يبدو أن المعاملة القاسية التي تعرض لها محمد الغامدي هي جزء من نمط أكبر من العقاب الجماعي ضد المعارضين وأسرهم. شقيقه، سعيد الغامدي، هو معارض سعودي معروف يعيش في المنفى، وقد اتهم سعيد النظام السعودي علناً باستهداف شقيقه كشكل من أشكال الانتقام من أنشطته السياسية، وشقيقه الآخر، أسعد، حُكم عليه في يوليو/تموز 2024 بالسجن المؤبد لنشره تغريدات تنتقد الظلم المستشري في البلاد. هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السلطات السعودية أفراد الأسرة كوسيلة ضغط في سعيها لإسكات المنتقدين، حيث إن ممارسة استهداف أقارب المعارضين هي السمة المميزة لنهج النظام القاسي تجاه المعارضة.
إن قضية محمد الغامدي ليست فريدة من نوعها، فلدى المملكة العربية السعودية تاريخ طويل في إسكات المعارضة من خلال تدابير متطرفة، من الإعدامات إلى الأحكام المؤبدة، ومن المحاكمات السرية إلى الإهمال الطبي المنهجي. تقف منظمة “معاً من أجل العدالة” متضامنة بالكامل مع الغامدي وعائلته.
نحن نطالب السلطات السعودية بالإفراج الفوري عنه وعن جميع سجناء الرأي الآخرين، كما نحث المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات حاسمة لمحاسبة النظام السعودي على انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان.
إن قضية محمد الغامدي تُعد بمثابة تذكير قاتم بأن حتى الفعل المتواضع مثل التغريد في المملكة العربية السعودية يمكن أن يقابل بعواقب وحشية، وفي حين أن حكم الإعدام قد تم إلغاؤه، فإن المفارقة القاسية لا تزال قائمة: فالحكم بالسجن مدى الحياة في سجن سعودي هو ببساطة طريق أطول للمعاناة.



