في معاملة المرأة.. الأجهزة الأمنية السعودية فوق القانون والشريعة
ينص القانون السعودي على معاقبة أي شخص يتورط في أعمال عنف ضد المرأة أو الإساءة لها جسدياً أو نفسياً بغض النظر عن صلته بها، بغرامة تصل إلى 50 ألف والسجن لمدة تصل سنة.
أكدت النيابة العامة التزامها بهذا القرار والذي حظرت بموجبه كل شكل من أشكال العنف ضد المرأة أو إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو التهديد من قبل أي شخص متعللاً بما يربطهما من علاقة أسرية، أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية.
ورغم أن القرار كان واضحاً في أن الأشخاص الذين يرتكبون هذه الممارسات المحظورة ضد المرأة هم جميعاً جناة أمام القانون، أياً كانت سلطتهم أو علاقتهم بالمرأة الواقع عليها الضرر، جاءت الأجهزة الأمنية السعودية لتخترق هذا القرار بسفور واضح لتمارس هي نفسها أقسى أنواع العنف ضد المرأة طالما هي معتقلة، رغم أن المعتقلة بذاتها محمية بموجب عدد كبير من القوانين والمعاهدات الدولية ويجب أن تحصل على معاملة خاصة كي لا يصبح اعتقالها باطلاً ومحاكمتها جائرة.
نعم، فالمعتقلات السعوديات، سيما معتقلات الرأي، يتعرضن داخل السجون والمقار الأمنية إلى عنف مضاعف، لا يختلف أبداً عن ذلك العنف الذي حذرت منه النيابة العامة، والذي استنكره محمد بن سلمان في بداية ولايته، والذي أطلق عليه الإعلام السعودي أنه “مهندس القرارات الجريئة الذي انتصر للمرأة“، فأي امرأة إذاً انتصر إليها بن سلمان، وعن أي امرأة تدافع النيابة العامة، والسجون تعج بأنين وصرخات المعتقلات اللواتي يتعرضن للحرق والضرب والجلد والشتم من قبل السجانين بإشراف مباشر من الديوان الملكي السعودي.
لا يختلف العنف داخل السجون عن العنف خارجها، بل ربما هو أشد وطأة على نفوس المعتقلات، فهن يصبحن لا حول لهن ولا قوة، لا يمتلكن سوى أجساد هزيلة يتكالب عليها أفراد الأمن الأشداء، فيقوم هذا بالجلد بالعقال كما حدث مثلاً مع المعتقلة عائدة الغامدي، وأخرى تتعرض للحرق بالسجائر كلجين الهذلول التي هُددت بالاغتصاب والتقطيع كما حدث مع خاشقجي، وأخريات يفقدن وعيهن من شدة الضرب كنوف عبد العزيز.
مأساة أهالي المعتقلين في السعودية
أما خارج السجن، فهناك مأساة أكبر يعاني منها عائلات هؤلاء المعتقلات، الذين يجدن أنفسهم بلا أي حيلة أمام بطش السلطات، لا يعلمون شيئاً عن بناتهن المنقطعة أخبارهن، غير مسموح لهم بالتواصل معهن أو زيارتهن والاطمئنان عليهن إلا بشق الأنفس.
ومن اختراق القانون إلى مخالفة الشريعة التي يدعي النظام أنها مصدر التشريع وأنه وموظفيه مسؤولون عن تطبيقها، ويتمثل هذا الخرق في مخالفة المادة 36 والمادة 43 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي، والمفترض أنه معمول به داخل الهيئات القضائية ومفروض على الأجهزة الأمنية الالتزام به.
تنص المادة 36 من هذا النظام على أن “يكون سماع أقوال المرأة واستجوابها والتحقيق معها بحضور أحد محارمها، فإن تعذر ذلك فبما يمنع الخلوة”، أما المادة 43 فتنص على ” يجوز لرجل الضبط الجنائي – في الأحوال التي يجوز فيها نظامًا القبض على المتهم – أن يفتشه… ويشمل التفتيش جسده وملابسه وأمتعته. وإذا كان المتهم امرأة وجب أن يكون التفتيش من قبل امرأة يندبها رجل الضبط الجنائي”.
الهدف من هذه المواد كما صرح المسؤولون هو إعطاء جسد المرأة حصانة خاصة وحمايتها من أي فعل يحط من كرامتها، ودفع الأذى النفسي والجسدي الذي قد تتعرض له في حال أصبحت متهمة.
بتطبيق هذه المواد على أرض الواقع، نجد أن أفراد الأمن أبعد ما يكونوا عن تنفيذ هذا النظام، بل هم أول من يخل به بصورة جعلت من السجون مرتعاً للمخالفات القانونية والانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي لم تحترم قانوناً ولا شريعة. فالمعتقلات يخضعن لجلسات تحقيق تصل لساعات دون حضور أي من عائلاتهن معهن، وفضلاً عن عدم مشروعية هذه الجلسات لعدم وجود محامي مع المتهمة، فإنها في حد ذاتها انتهاكاً آخر إذ تتخللها ضروب مختلفة من التعذيب الجسدي الذي يصل إلى التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب، فضلاً عن السب والإهانات اللفظية التي لا يتوقف المحققون والضباط عن قولها للمعتقلات.
بدورنا نتساءل، ما هي نوع الحصانة التي يتمتع بها ضباط الأمن السعوديون كي يصبحوا فوق القانون والشريعة، فلاهم راعوا حرمة تحفظها التقاليد والشريعة ولا احترموا قانوناً من المفترض أنهم حماة عليه مسؤولون عن تطبيقه مدافعون عنه أمام بطش الجناة دام أنهم من المدنيين؟ هل للضباط حصانة سماوية تسمح لهم بازدواجية المعايير؟
هل يفرق القانون إذاً بين مدني وضابط؟ هل مسؤولية تطبيق الشريعة تقع على عاتقي المواطنين وحدهم دون ولاة الأمر والتابعين لهم من موظفين ومسؤولين وأفراد أمن؟
كيف يسمح النظام لنفسه بأن يدعي أن المرأة في عهده ستتحرر من كل قيود الماضي، في حين أنه أول من يحرمها الحرية ويبقي عليها داخل سجونه بلا أي حقوق أو كرامة، وكيف يأمل النظام أن تشهد المملكة في عهده نقلة حضارية مختلفة وهو الذي يجرها جراً إلى عصور الظلام بالسلطوية والاستبداد!
اقرأ أيضًا: سفر الحوالي .. هل يتم قتله بالبطيء بعدما رفض المساومة على آرائه وكتابه؟
تعليق واحد