الكشف عن السر وراء اعتقال الناشطة النسوية مناهل العتيبي والحكم عليها

في وقت سابق من هذا الأسبوع تم الكشف عن الحكم على الناشطة السعودية مناهل العتيبي بالسجن 11 عامًا على خلفية نشاطها في مجال حقوق المرأة ومطالبتها بمزيد من التمكين للنساء في المملكة.
على ما يبدو لم تكن السلطات تنتوي الإعلان عن هذا الحكم أو الإفصاح عن أي معلومات عن مناهل التي ظلت رهن الاختفاء القسري لأكثر من 150 يومًا إذ انقطعت أخبارها ولم تعد إدارة السجن تسمح لها بالاتصال بعائلتها، لكن مع ضغط الأمم المتحدة، اضطرت السلطات للإعلان في بيان لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أن مناهل العتيبي حُكم عليها في 9 يناير/كانون الثاني بسبب ما وصفته الحكومة السعودية بـ “جرائم إرهابية، وذلك بعد محاكمة سرية حسب مصادر خاصة.
وحسب نص الحكم على العتيبي، التي حُكم عليه في جلسة سرية أمام محكمة مكافحة الإرهاب، فإنها ارتكبت جرائم تتعلق بنظام مكافحة الإرهاب السعودي الذي يجرم استخدام المواقع الإلكترونية “لبث أو نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو ما شابه ذلك لارتكاب جريمة إرهابية.”
كما جاء في ملف الاتهام فإن سبب اعتقال مناهل هو نشرها لصورة شخصية عبر سناب شات وهي لا ترتدي العباءة السوداء، لكن لم توضح السلطات كيف وصلت إلى هذه الصورة بالنظر إلى أن إعدادات الحساب لا تسمح للغرباء بمشاهدة المحتوى.
من بين التهم الأخرى، اتهمت السلطات السعودية العتيبي باستخدام وسم “المجتمع جاهز” للدعوة إلى وضع حد لقواعد ولاية الرجل، كما اتُهمت شقيقتها فوز العتيبي بعدم ارتداء ملابس محتشمة لكنها تمكنت من الفرار من المملكة العربية السعودية قبل اعتقالها.
قبل ثلاثة أيام، خرجت فوزية، شقيقة مناهل، عن صمتها وتحدثت لصحيفة الغارديان البريطانية عن المضايقات التي تتعرض لها العائلة على خلفية نشاطهم في مجال حقوق المرأة، وكشفت عن الأسباب الحقيقية وراء اعتقال مناهل.
كانت المقصودة في البداية هي فوزية نفسها، وذلك لوجود ملف اتهام قديم لها لدى السلطات بسبب مطالباتها الدائمة بمنح مزيد من الحقوق والحريات للمرأة، ونشرها صور بملابس مختلفة عن النمط التقليدي على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لتقبض عليها السلطات عليها عام 2019 وتغريمها مبلغ مالي بتهمة ارتكاب الفاحشة، ما دفع فوزية لمغادرة البلاد، لكن بعد ثلاث سنوات ظنت أن الأوضاع تغيرت وأو الدولة “نسيتها” -على حد تعبيرها-، لكن ما إن عادت في 2022 طلب منها أحد الضباط الحضور بصفة ودية إلى قسم الشرطة لبعض المعلومات، لكنها فرت وغادرت البلاد، ولم تعد الآن.
بعد فترة وجيزة أصدرت السلطات قرارات حظر سفر على عائلتها، ثم تم اعتقال مناهل، التي كانت نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي كذلك وتطالب بمنح المرأة المزيد من الصلاحيات داخل المجتمع السعودي، ومنذ ذلك الحين وهي خلف القضبان تتلق معاملة سيئة ومهينة، وقد تعرضت للاختفاء القسري أكثر من مرة، ولم يُسمح لها بالحديث مع عائلتها إلا في أعقاب الحكم، حيث جاء صوتها ذابلًا، وطلبت منهم نسيانها وعدم الحديث عنها، كما قالت بنبرة محبطة للغاية “أنا مقدر لي البقاء هنا في السجن”، ولم توضح سبب اختفائها.
مناهل العتيبي هي مدربة لياقة وناشطة سعودية، لطالما استخدمت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة سناب شات، للمطالبة بتمكين المرأة، وبالرغم من إشادتها ببعض الإصلاحات التي نفذها النظام بالفعل، إلا أن مطالبتها بمزيد من الإصلاحات تسببت في اعتقالها في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
بالرغم من محاولات النظام السعودي تخفيف القيود عن المرأة ومنحها بعض الحريات، مثل حرية اللباس وقيادة السيارة والعمل والسفر كجزء من حملة أوسع لتلميع صورة المملكة خارجيًا وتحسين السياحة، فإن الحكومة لا تزال مستمرة في نهجها القمعي ضد أي امرأة سعودية تتجرأ وتطالب بمزيد من الإصلاحات والحريات.
حسب ما تم رصده وتوثيقه، فإن حكومة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لطالما استهدفت مستخدمي تويتر كجزء من حملة واسعة من القمع المحلي والدولي، تضمنت زرع جواسيس داخل الشركة لتسريب بيانات المستخدمين السرية والكشف عن هوية مديرين الحسابات المجهولة التي تنتقد السلطات.
تصاعدت حملة النظام السعودي القمعية ضد مستخدمي مواقع تواصل الاجتماعي، خاصة تويتر (إكس حاليًا) بعد شراء بن سلمان -بشكل غير مباشر- حصة كبيرة من تويتر عن طريق صندوق الثروة السيادية للمملكة الذي يترأس مجلس إدارته، ليكون المستثمر الأضخم في تويتر بعد إيلون ماسك هو والأمير الوليد بن طلال، كما يسيطر أيضًا على حصة بقيمة 250 مليون دولار (200 مليون جنيه إسترليني) في تطبيق سناب شات.
الجدير بالذكر أنه وحسب تقارير صحفية، فإن أي استفسار صحفي يُرسل إلى تويتر للتعليق على الحملة القمعية التي تنفذها السلطات السعودية ضد مستخدمي المنصة، لا تواجه سوى رد واحد برمز تعبيري غير لائق وغير مهذب، رد الشركة التلقائي على الاستفسارات الصحفية منذ شراء ماسك الشركة.
أما سناب شات فقد نشرت السلطات بيان رسمي في وقت سابق من العام الماضي حذرت فيه المواطنين من كتابة أي منشور ينتقد السلطات على التطبيق، وحسب البيان فإن “أي إهانة للنظام تعتبر جريمة جنائية”، دون توضيح ماهية أو كيفية الإهانة، ليتركها فضفاضة تُحدد على هوى الأجهزة الأمنية أو القضائية المنوط بها التحقيق في الأمر.
جاء هذا التحذير بعد فترة وجيزة من إبرام صفقة “تعاون” بين تطبيق سناب شات -ومقره كاليفورنيا- وبين وزارة الثقافة في المملكة، وهي الصفقة التي أعلن عنها الرئيس التنفيذي لشركة “سناب شات” قبل فترة.
وتعود علاقات شركة سناب شات مع المملكة إلى عام 2018، عندما استثمر الممول السعودي الأمير الوليد بن طلال 250 مليون دولار في الشركة، أي ما يعادل 2.3٪ من الأسهم.
قضية العتيبي تعتبر مثال واضح على اعتقال السعوديين وسجنهم لاستخدامهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج للإصلاح أو تحدي السلطات السعودية، لكن القائمة التي سبقتها طويلة، مثل سلمى الشهاب التي حكم عليها بالسجن لأكثر من ثلاثة عقود لامتلاكها حساب على تويتر ومتابعة وإعادة تغريد المعارضين والناشطين.