في الوقت الذي تتسابق فيه العواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن، لتوثيق تحالفاتها مع النظام السعودي، وفي ظل لقاءات دبلوماسية وصفقات تجارية وتفاهمات أمنية تعمّق التطبيع مع ولي العهد محمد بن سلمان، لا تزال الزنازين السعودية تفضح الأكذوبة الكبرى التي يروّج لها النظام عن الإصلاح والانفتاح.
الولايات المتحدة نفسها، التي أكد تحقيق استخباراتي تابع لها مسؤولية محمد بن سلمان المباشرة عن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، عادت لاحقًا لتغضّ الطرف وتطبع علنًا مع قاتل، بينما تُدفن الحقائق في ردهات السجون، ويُدفن معها مصير عشرات العلماء والمفكرين، ومن بينهم الشيخ عصام العويد، أحد أكثر الوجوه الفكرية تأثيرًا في الخليج العربي.
اعتُقل الشيخ عصام العويد تعسفيًا في فبراير/شباط 2017، ليس بسبب “تمويل الإرهاب” كما زعمت السلطات، بل لأنه تجرأ على التعبير عن آرائه المؤيدة للديمقراطية، وشارك في العمل الإنساني من خلال مؤسسة الإعمار الخيرية، المرخصة آنذاك من قبل الدولة نفسها. لم تشفع له دعوته ضد تنظيم داعش، ولا تاريخه في الدفاع عن قضايا الأمة، ولا كونه أحد رموز الصحوة الفكرية المعتدلة في السعودية.
في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبعد ثلاث سنوات من الاعتقال، صدر بحقه حكم بالسجن أربع سنوات من محكمة الإرهاب، دون محامٍ، دون حضور أهله، دون إعلام علني، ودون أي احترام للحد الأدنى من إجراءات المحاكمة العادلة. ورغم انتهاء محكوميته في يناير/كانون الثاني، رفضت السلطات إطلاق سراحه، بل أعادت محاكمته سرًا، وزجّت به في قضية جديدة لم يُعلن عنها، لتنتهي المهزلة بالحكم عليه بالسجن 27 عامًا في محاكمة أخرى مغلقة، بلا محامٍ، بلا أدلة، بلا قانون.
هذه هي حقيقة “رؤية 2030″، وهذه هي مخرجات “الإصلاح السعودي” الذي يحتفى به في واشنطن ولندن وباريس: أصوات تُدفن، عقول تُكسر، وسجون تُملأ، بينما تُفرش السجاد الأحمر للجلاد.
منظمة “معًا من أجل العدالة” تجدّد دعوتها للأمم المتحدة والمنظمات الدولية كافة للتحرك الجاد والفعلي، لا اللفظي، من أجل الضغط للإفراج الفوري عن الشيخ عصام العويد وكافة معتقلي الرأي، وتطالب المجتمع الدولي بوقف نفاقه المستمر في دعم الأنظمة القمعية التي تنتهك حقوق الإنسان من جهة، وتُحاط بالتكريم والاحتفاء من جهة أخرى.



