صحافة عالمية

تحقيق- انقلاب القصر: تفاصيل سيطرة محمد بن سلمان على السلطة (1)

التقرير كاملًا من المصدر باللغة الإنجليزية

قبل سنوات قليلة، كان الأمير السعودي محمد بن نايف يستعد لتولي السلطة خلفًا لعمه الملك سلمان بن عبد العزيز، إذ كان وليًا للعهد ويملك خبرة واسعة في المجالات العسكرية والأمنية ويتمتع بعلاقات جيدة مع دول الغرب ولا سيما الولايات المتحدة، لكن بين عشية وضحاها، وجد بن نايف نفسه خارج المشهد بعد تنفيذ ولي العهد الحالي، ابن عمه الأمير الشاب محمد بن سلمان، خطته القاسية للسيطرة على السلطة وإطاحة جميع من يقفون ضد طموحه هذا.

مصادر مطلعة على الأحداث أكدت أنه في الليلة التي فقد فيها محمد بن نايف سلطته على كل شيء، كان محتجزًا طوال الليل في قصر الملك في مكة بعد محاصرته والقبض على حراسه الشخصيين، ومع ضوء الصباح اصطحبه الأمن إلى قصره في جده وخضع تحت الإقامة الجبرية وتحت الحراسة المشددة من حراس لا يعرفهم.

حين وجد الأمير محمد بن نايف نفسه محاصرًا داخل سيارات الأمن، أرسل رسائل تحذيرية إلى مساعده الشخصي ورجله الأول سعد الجبري، قائلًا له “كن حذرًا… لا تعود!”، إذ كان الجبري قد غادر المملكة في هدوء قبل أسابيع من هذه الواقعة.

وتابع في رسائله للجبري ” يجب عليك توخي الحذر، ولا تعد تحت أي ظرف من الظروف”.

في الليلة السابقة، تحديدًا في 20 يونيو/حزيران 2017، أُجبر الأمير محمد بن نايف، ابن شقيق الملك، على التنحي عن منصب وريث العرش السعودي، ليجد “الأب الروحي السعودي”، كما يصفه البعض، نفسه خارج المشهد بطريقة مهينة بعد سنوات من إشرافه على الأمن الداخلي، إذ كان أقرب حليف سعودي لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

في وقت سابق من ذلك العام، منحه مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك مايك بومبيو ميدالية تقديرًا لجهوده في مكافحة الإرهاب التي أنقذت أرواح الأمريكيين.

قبل عامين من تلك الليلة، حين تولى الملك سلمان الحكم، أصبح نايف وليًا للعهد في سن 55، مما جعله يليه في ترتيب العرش، لكن خلف الكواليس كانت تُدار منافسة شرسة بين نايف وابن عمه نجل الملك الأمير محمد بن سلمان واحتدم الخلاف حتى استطاع الأمير الصغير أن يصل من العدم لمنصب نائبًا لولي العهد.

قبل وقت قصير من انقلاب القصر، في 5 يونيو/حزيران 2017، وصلت التوترات بين الأمراء إلى نقطة الغليان بعد أن فرض محمد بن سلمان وغيره من المستبدين الإقليميين حصارًا عقابيًا على دولة قطر المجاورة، إذ لطالما أزعجت الإمارة الصغيرة الغنية بالغاز جيرانها العرب من خلال سياساتها الخارجية التي دعمت ثورات الربيع العربي، ومنح الإسلاميين المعارضين منبرًا للتحدث بحرية عبر شبكة قناة الجزيرة.

كان لدى نايف أيضًا مشاكل مع قطر، لكنه فضل الدبلوماسية الهادئة على النهج العدائي الذي اتسم به محمد بن سلمان، لذلك لم يكن مؤيدًا لقرار الحصار، وفتح من وراء ابن عمه، قناة تواصل سرية مع حاكم قطر الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وذلك حسب الرسائل النصية التي أرسلها إلى مستشاره سعد الجبري، والتي قالت بعضها “اتصل بي تميم اليوم، لكنني لم أجب… أريد أن أرسل له هاتفًا مشفرًا للاتصال.”

في 20 يونيو/حزيران 2017، في خضم الأزمة الخليجية، دُعي نايف لعقد اجتماع في قصر الملك سلمان في مكة – وهو مبنى عملاق ذو جدران رخامية يطل على الكعبة المشرفة، ووفقًا لمصادر قريبة من نايف، عند وصوله للقصر، تلقت عناصره الأمنية تعليمات بالانتظار في الخارج.

ولمنع حدوث أي تسريبات، صودرت جميع الهواتف المحمولة، بما في ذلك هواتف موظفي القصر، من قبل حراس موالين لمحمد بن سلمان.

رفض الأمن إدخال أحد كبار أعضاء العائلة المالكة، الذي حاول دخول القصر بعد نايف، ويُزعم أن الأمير دخل إلى غرفة مع تركي آل الشيخ، المقرب من محمد بن سلمان والذي يمنحه ثقة كبيرة حتى أنه تولى لاحقًا منصب رئيس الهيئة العامة للترفيه- وهي وكالة تسعى إلى تلطيف صورة المملكة العربية السعودية وعمل دعايات لها للتغطية على جرائم النظام.

يُزعم أن الشيخ حبس نايف في الغرفة لساعات، وضغط عليه لتوقيع خطاب استقالة من منصب ولاية العهد ومبايعة محمد بن سلمان لهذا المنصب.

في البداية، رفض نايف، ووفقًا لمصدر مقرب من الأمير، فقد قيل له إنه إذا لم يتنازل عن مطالبته بالعرش، فسوف يتعرض أفراد عائلته للاغتصاب، وخلال تلك الساعات مُنع نايف من تناول أدوية السكر وارتفاع ضغط الدم، وقيل له إنه إذا لم يتنح عن طيب خاطر، فإن وجهته التالية ستكون المستشفى.

قال مصدر آخر من العائلة المالكة إن الأمير محمد بن نايف كان خائفًا جدًا من التعرض للتسمم في تلك الليلة، لدرجة أنه رفض حتى شرب الماء.

سُمح لنايف بالتحدث مع اثنين من الأمراء في هيئة البيعة، وهي الهيئة الملكية التي تصدق على تسلسل الخلافة، وصُدم عندما علم أنهم بايعوا بالفعل محمد بن سلمان، وبحلول الفجر، كان كل شيء قد انتهى، استسلم الأمير محمد بن نايف الذي أرهق بما فيه الكفاية، ووافق تحت التهديد.

بعد ذلك أُجبر على الدخول إلى غرفة مجاورة، حيث كان محمد بن سلمان ينتظر مع كاميرات التلفزيون وحارس يحمل مسدسًا، وأظهرت لقطات نشرتها محطات الإذاعة السعودية لمحة موجزة للشيخ وهو يرتدي رداء مزينًا بالذهب وهو يقف عند ظهر الأمير المعتقل، وبينما كانت الكاميرات تدور، اقترب محمد بن سلمان من ابن عمه وانحنى بطريقة مسرحية لتقبيل يده وركبته.

كتب نايف لاحقًا في رسالة إلى مستشاره: “عندما وافقت على البيعة، كنت تحت تهديد السلاح”.

في الأيام التي تلت ذلك، أزيلت ملصقات نايف من المباني العامة، وأصبح محمد بن سلمان هو وريث العرش رغم سنه الصغير، 31 عامًا، وأصبح بفضل نفوذه أقوى رجل في البلاد، ومع الوقت أصبح الحاكم الفعلي مع سيطرة كلية على زمام الأمور (الاقتصاد، النفط، الجيش)، فيما ظل والده الثمانيني هو الملك، ولكن بشكل صوري، وأصبح الأمير محمد بن نايف المقرب من المخابرات الأمريكية سجينًا.

لم تتوفر في البداية تفاصيل الانقلاب الذي حدث في القصر، ولا الأسباب والألاعيب التي أدت إليه، لكن مع الوقت تُسرب بعض المعلومات والوثائق التي تفسر ما حدث وتشرح الصورة بشكل أوضح.

على سبيل المثال، في البداية تعمدت السلطات السعودية إقناع وسائل الإعلام الدولية بأن الأمير محمد بن نايف ترك منصبه بسبب إدمان المورفين والكوكايين، وكان من الصعب التأكد من صحة المعلومات خاصة في بلد كل شيء فيه مراقب وبقوة، لدرجة أن بعض السعوديين يضعون هواتفهم في الثلاجة أثناء مناقشة الأمور الحساسة.

لكن اليوم اكتملت الصورة وأصبحت تفاصيل أحداث عام 2017، وما تلاها من آثار مروعة، متاحة، وذلك بفضل المعلومات التي جُمعت “بالتنقيط” عن أسرار القصر من قبل عدد قليل من كبار أفراد العائلة المالكة ومصادر أخرى ذات صلة جيدة جُردوا من نفوذهم وثرواتهم في عهد محمد بن سلمان، وتعرض بعضهم للسجن والتعذيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى