
تعرب منظمة معًا من أجل العدالة عن بالغ قلقها إزاء ما تم الكشف عنه مؤخرًا من انعقاد جلسة محاكمة سرية للمواطن البريطاني أحمد الدوش بتاريخ 4 مايو/أيار 2025، دون علم عائلته أو فريق دفاعه القانوني، ما يشكل تطورًا خطيرًا يؤكد إصرار النظام السعودي على إخفاء حقيقة ما يتعرض له المعتقلون السياسيون، ومواصلة التعدي الصارخ على أبسط قواعد العدالة.
وبحسب معلومات مؤكدة وردت من مصادر موثوقة طلبت عدم الكشف عن هويتها، فقد عُقدت الجلسة دون أي إشعار رسمي لأسرته أو لمحاميته البريطانية هايدي ديجكستال، فيما لا تزال السلطات ترفض الإفصاح عن قرار المحكمة، وتتكتم على مجريات المحاكمة التي افتقرت تمامًا لأبسط ضمانات العدالة.
ويُذكر أن أحمد الدوش، البالغ من العمر 41 عامًا ويعمل كمحلل أعمال لدى بنك أوف أميركا، قد اعتُقل في 31 أغسطس/آب 2024 أثناء زيارته لعائلته في السعودية. ومنذ ذلك التاريخ وهو محتجز في الحبس الانفرادي، محروم من أي تواصل مع العالم الخارجي، بما في ذلك عائلته وحتى في يوم ولادة طفله الرابع.
لم توجه للدوّش أي تهم رسمية طوال أشهر احتجازه، وكانت الزيارة القنصلية الوحيدة التي سُمح بها من قبل السلطات السعودية قد جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وقد أشارت محاميته إلى أن التحقيقات انحصرت في منشورات محدودة على مواقع التواصل الاجتماعي لا علاقة لها بالسعودية، إلى جانب ما قيل عن صلته بابن المعارض السعودي سعد الفقيه، رغم غياب أي علاقة مباشرة تجمعه بالأب.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، قدمت المحامية شكوى رسمية إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، مؤكدة أن الاعتقال يفتقر لأي أساس قانوني أو قضائي، ويُعد خرقًا لحق موكلها في حرية التعبير وحرية التواصل.
اليوم، ومع هذا التطور المتمثل في عقد جلسة محاكمة سرية دون إشعار أو تمثيل قانوني، تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة أن ما يحدث لا يرقى حتى إلى ما يُطلق عليه “محاكمة”، بل هو استمرار لسياسات الإخفاء القسري، والتضييق القضائي، والتلاعب بالإجراءات لإنتاج أحكام غير شرعية ومعدّة سلفًا.
ويتعزز القلق من أن هذه الجلسة تمهد لإصدار حكم تعسفي وجائر بحق الدوش، بعيدًا عن أعين المراقبة الدولية أو الرقابة القضائية المستقلة، في سياق يتسم بتواطؤ صامت من بعض الحكومات الغربية، وعلى رأسها الحكومة البريطانية، التي ما زالت تختبئ خلف ذرائع حماية البيانات وترفض تقديم أي دعم حقيقي لعائلة مواطنها المعتقل.
تؤكد منظمة معًا من أجل العدالة أن استمرار احتجاز أحمد الدوش في ظروف سرية وتعسفية، دون حق في الدفاع أو المحاكمة العلنية، يمثل جريمة متكاملة الأركان ضد العدالة والكرامة الإنسانية. وهو مؤشر خطير على تمادي النظام السعودي في استخدام القضاء كأداة سياسية لمعاقبة من يُشتبه في أنهم “غير موالين” للنهج الرسمي، ولو بمجرد تغريدة أو علاقة اجتماعية مفترضة.
في ظل هذا التصعيد، تطالب معًا من أجل العدالة بإجراء تحقيق دولي نزيه وشفاف حول ما جرى في جلسة 4 مايو، ومساءلة الجهات التي سمحت بها دون إعلام الدفاع أو الأسرة، كما تطالب الحكومة البريطانية إلى الكف عن الصمت، وتحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية في حماية أحد مواطنيها.
إننا في معًا من أجل العدالة نُشدد على ضرورة وقف كافة أشكال التعاون السياسي والأمني والدبلوماسي مع النظام السعودي، ما لم يلتزم بحد أدنى من احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.
إن السكوت الدولي عن مأساة أحمد الدوش وأمثاله من معتقلي الرأي هو بمثابة إعطاء ضوء أخضر للنظام السعودي للاستمرار في سياساته القمعية دون رادع، ومثل هذه المحاكمات السرية ليست سوى نذير خطر لما هو أسوأ قادم إن لم يتم التصدي له فورًا.