على العالم أن يعرف الحقيقة الكاملة لما يتعرض له الرسام السعودي محمد الهزاع داخل سجون المملكة
في أروقة السجون السعودية، حيث يُدفن الأمل وتُغتال الإنسانية، تضاف كل يوم قصة جديدة إلى سجل القمع الذي يطال كل من يجرؤ على التعبير عن رأيه أو تحدي السلطة. خلف الأسوار المغلقة وسجون الظلم، يقبع مئات الأبرياء الذين دفعوا ثمن كلماتهم أو فنونهم أو حتى آرائهم البسيطة. محمد الهزاع، رسام الكاريكاتير السعودي وأب لخمسة أطفال، ليس إلا واحدًا من هؤلاء الضحايا الذين طحنتهم آلة القمع السعودية.
تم اعتقال محمد الهزاع، البالغ من العمر 48 عامًا وأب لخمسة أطفال، في فبراير/شباط 2018 بعد مداهمة قاسية وغير قانونية لمنزله، حيث قامت قوات الأمن بنهب استوديوهاته الفنية واعتقاله أمام أفراد أسرته. كانت “الجريمة” التي ارتكبتها السلطات بحقه هي توجيه اتهام له برسم كاريكاتيرات سياسية لصالح صحيفة قطرية، واعتبار ذلك دعمًا لدولة قطر أثناء الأزمة الخليجية. ومع ذلك، لم تُقدم أي أدلة موثوقة تدعم هذه الادعاءات، مما يجعل الحكم بأكمله موضع تساؤل.
ما يجعل هذه القضية أكثر تعقيدًا هو غياب الشفافية بصورة تامة. لم يتم الكشف عن أي تفاصيل حول سير المحاكمة، ولم يُسمح لمحاميه أو عائلته بالاطلاع على ملفات القضية أو الأدلة التي استُخدمت لتبرير الحكم. كما أن إعادة فتح القضية وزيادة الحكم من 6 سنوات إلى 23 عامًا جاءت دون تفسير قانوني واضح، ما يعكس تدخلًا سياسيًا مباشرًا في العملية القضائية، ويؤكد انعدام استقلالية القضاء السعودي.
يعاني المعتقلون في السعودية، بمن فيهم الهزاع، من ظروف احتجاز مروعة، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي، والعزل الانفرادي المطول، ومنع الزيارات العائلية، والحرمان من التمثيل القانوني. تشير التقارير إلى أن محمد الهزاع تعرض لمعاملة قاسية ترمي إلى كسر إرادته وإجباره على تقديم اعترافات تحت الإكراه، مما يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
حالة الهزاع ليست سوى مثال واحد على القمع المنهجي الذي تمارسه السلطات السعودية ضد حرية التعبير. استهدفت السلطات كتابًا، صحفيين، نشطاء، وحتى فنانين مثل الهزاع، بهدف إسكات كل من ينتقد السياسات الحكومية أو يعبر عن وجهة نظر مغايرة. تُظهر هذه الانتهاكات استخدام قانون مكافحة الإرهاب كأداة سياسية لاضطهاد المعارضين، في ظل غياب شبه كامل للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
تعكس قضية محمد الهزاع تناقضًا صارخًا في سياسات المملكة العربية السعودية، حيث اعتُقل وحُكم عليه بالسجن بسبب رسوم كاريكاتورية ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وُصفت بأنها “دعم لدولة قطر” خلال فترة الحصار. واليوم، وبعد المصالحة الرسمية بين السعودية وقطر، تواصل السلطات السعودية معاقبة الهزاع على فعل أصبح الآن يتماشى مع السياسة الرسمية للمملكة، مما يبرز الظلم الفادح في استمرار احتجازه. كيف يمكن لدولة تدعي أنها تطوي صفحة الخلافات أن تستمر في معاقبة فنان على مواقف تتماشى مع الوضع السياسي الحالي؟ هذا التناقض يفضح ازدواجية المعايير وسوء استخدام النظام القضائي لتصفية الحسابات السياسية وقمع حرية التعبير.
تدعو منظمة “معًا من أجل العدالة” المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم ضد الانتهاكات المتزايدة لحقوق الإنسان في السعودية. الحكم الصادر بحق محمد الهزاع هو مثال صارخ على إساءة استخدام السلطة والقانون لإسكات الأصوات المعارضة. نطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن محمد الهزاع وجميع سجناء الرأي في المملكة. كما نؤكد على ضرورة الضغط على النظام السعودي لاحترام التزاماته الدولية والتوقف عن استخدام القضاء كأداة للقمع السياسي.
إن ما يجري في السعودية اليوم يتطلب استجابة قوية من الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم. يجب أن تكون قضايا مثل قضية محمد الهزاع تذكيرًا للعالم بأهمية الوقوف مع الأصوات التي تعبر عن الحقيقة، والدفاع عن حرية التعبير كحق أساسي غير قابل للتفاوض.